كل يوم عاشوراء و كل أرضٍ كربلاء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-12-2010, 02:40 PM   #31
النوراء
~¤ مشرفة سابقة ¤~
 
الصورة الرمزية النوراء
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: سيهآآت
العمر: 31
المشاركات: 267
معدل تقييم المستوى: 31
النوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to behold
افتراضي رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد

13
الشمس ما زالت مسمّرة في زرقة السماء تصبّ لهيباً يشوي الوجوه ...

وعجلة الموت تدور مجنونة في الرمال الملتهبة .. تتخطف رجالاً لم تلههم تجارة ولا بيع

عن ذكر الله ... .

تقدم ((جون)) .. دفعته الأيام من أصقاع بعيدة ، وكان فتى لأبي ذر الغفاري ..

قال الحسين :

-يا جون إنما تبعتنا طلباً للعافية ، فأنت في إذن مني .

أجاب جون بضراعة :

-أنا في الرخاء ألحس قصاعكم ، وفي الشدّة أخذلكم ..

لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم .

واندفع جون يقاتل القبائل .. والأرض تهتزّ تحت قدميه بشدّة .. كطبول أفريقية .

وأطبقت السيوف عليه كأنياب وحش أسطوري .

تمتم الحسين ، وهو يتأمل جراحه النازفة :

-اللهم احشره مع محمد وعرّف بينه وبين آل محمد .

وتقدم من بعده أنس بن الحارث الكاهلي ، وكان شيخاً كبيراً صحابياً ،

رأى النبي وسمع حديثه ، وشهد معه بدراً ، وحنيناً ، ومعارك دامية أخرى .

الشيخ الذي حنت ظهره الأيام .. ووقفت عاجزة أمام إرادته ..

نزع عمامته ، وشدّ ظهره المقوّس بها ، ورفع حاجبيه بالعصابة .

كان الحسين يراقبه ، وعيناه تنهمران دموعاً .. ثم أجهش بالبكاء ..

-شكر الله لك يا شيخ !

تقدم الصحابي بخطى واهنة ، وعزم كالحديد أو أشد بأساً .. وتداعت أمامه صور مشرقة

من جهاده مع النبي يوم كان يقاتل المشركين كافّة ..

وها هو اليوم يقاتل أبناءهم وأحفادهم ... ودوّت في أذنيه كلمات الرسول في المعارك :

يا منصور أمت ...

ووجدت القبائل فيه ثأراً قديماً من ثارات بدر وحنين ..

فتكالبت عليه من كل حدب وصوب . وعندما هوى الصحابي الكبير إلى الأرض ،

ولامس وجهه الرمال ، شعر بأنه يقبّل وجه النبي .

الصحراء تئنّ من وقع سنابك الخيل ، والرمال تشرب الدماء وتنشد المزيد ،

والقبائل تنتشي بثارات قديمة .. قديمة جداً .

الفرات يجري .. تتدافع أمواجه ، فبدا غير مكترث لما يدور على شواطئه ..

بل لعلّه كان يسرع ممعناً في الفرار .. لا يريد أن يشهد الأهوال .. أو ربّما

كان يريد أن يروي للبحر قصة الصحراء والظمأ والحسين .

لم يبق مع الحسين من أصحابه أحد .. ودّعوه وذهبوا بعيداً ..

لم يبق مع الحسين سوى أهل بيته ... فتقدم علي الأكبر .. إعصار يختزن

غضب الأنبياء .. الأب يودّع ابنه بنظرات حزينة كغيوم ممطرة .

كانت دموع الحسين تنهمر . وبصوت ، يشبه نشيج الميازيب في مواسم المطر ، هتف :

-قطع الله رحمك يابن سعد كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول

الله .. وسلّط عليك من يذبحك على فراشك .

الأكبر يخترق غابة السيوف والرماح .. والحسين يرفع وجهه .. يحدّق في السماء :

-اللهم اشهد على هؤلاء القوم ، فقد برز إليهم أشبه الناس برسولك محمد

خلْقاً وخُلُقاً ومنطِقا ، وكنا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيك نظرنا إليه ، اللهم

فامنعهم بركات الأرض .

العلوي يخترق أحراش الرماح .. وبين الفينة والأخرى يلوح بريق سيف

غاضب كوميض الصواعق بين سحب مشحونة .. مخزونة بالرعود .

هزّ (( مرّة بن منقذ )) رمحه ، وقد عصفت في نفسه الحمية .. حمية الجاهلية :

-عليَّ آثام العرب إن لم أثكل أباه .

واخترق رمح وحشي طيفاً نبوياً . فاعتنق فرسه . فانطلقت وسط أحراش

السيوف وغابات الرماح .. وتختطفه القبائل المتوحشة .. وانبثقت كلمات

((الأكبر)) كنافورة حبّ أزليّة :

-عليك مني السلام أبا عبد الله ، هذا جدي قد سقاني بكأسه شربة لا أظمأ

بعدها ، وهو يقول إن لك كأساً مذخورة .

وعندما وصل الأب المفجوع ، كان الابن قد رحل بعيداً .. بعيداً جداً ..

وفي عينيه تلوح قوافل مسافرة .

الجراح النبوية تنزف . ملأ كفّه من ينابيع الحياة ، ثم رمى بها إلى السماء ..

الرذاذ الأحمر يصّعّد إلى الفضاء اللانهائي .. يتحول إلى نجوم تنبض أملاً ،

فتهتدي في وميضها قوافل قادمة من رحم الأيام .

-على الدنيا بعدك العفا ... ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول .

الراية ما تزال تخفق بعنف .. تعلن الثورة .. الرفض .. الإباء ..

الدماء تنزف .. تروي الرمال .. تنفخ فيها روحاً ، وتبثّها أسراراً لا يدركها أحد من العالمين .

-هل رأيتم القمر يمشي على الأرض

تمتم التاريخ متعجباً ، وهو يرى القاسم بن الحسن .. فتىً لم يبلغ الحلم بعد .

يمشي الهوينى .. عليه قميص وإزار ، وفي رجليه نعلان ، في يمينه سيف ..

يطوّح به يميناً وشمالاً .. يقاتل الذين غدروا .. إنهم لا إيمان لهم . انقطع شسع

نعله اليسرى ، فانحنى يشدّه .. غير عابئ بالقبائل تدور حوله كدوّامة ما لها من قرار .

شدّ عليه رجل يلهث ، فاستنكر آخر :

-ما تريد من هذا الغلام ؟! يكفيك هؤلاء الذين استوحشوه .

-لأشدّن عليه .

وارتطم سيف جبّار ، فانشقّ القمر :

-يا عماه !

وهبّ الحسين عاصفة مدمّرة .. إعصار فيه نار . وما أسرع أن هوى العم على

قاتل ابن أخيه بسيف مشحون غضباً . وصرخ القاتل لهول الضربة . وأرادت

الخيل أن تدفع عنه الموت ، فداسته بحوافرها .. وضاع بين سنابك الخيل .

وضاعت معه كل أطماعه وأوهامه .

وقف الحسين عند الفتى الشهيد :

-بعداً لقوم قتلوك . خصمهم يوم القيامة جدّك . عزَّ – والله – على عمك أن

تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك ثم لا ينفعك .

الموت يتخطف القافلة .. والمسافرون يعرجون إلى السماء .. أرواحاً شفافة

خلعت أهابها الأراضي ورحلت إلى عالم معمور بالنور .

لم يبق مع الحسين سوى حامل الراية ، رجل يدعى أبو الفضل ،

أبوه أبو الحسن ، وأمه امرأة ولدتها الفحولة من العرب .

الراية تخفق في شماله ، وفي يمينه بتّار يقصف الأعمار .

ثمة عيون تتطلع من وراء خيام .. تنظر إلى الراية .. تخفق كشراع سفينة

تعصف بها الريح من كل مكان .

القلوب التي صدّعها الظمأ تنشد الماء ، والفرات دونه غابات من الرماح ،

وأبو الفضل يكاد يتفجر غضباً كلما سمع أنّة بنت أو صراخ صبي :

العطش ... العطش ... ولا شيء سوى السراب ، سراب يحسبه الظمآن ماء .

تقدم صاحب الراية من أخيه الذي بقي وحيداً .. الحسين ينظر إلى آخر القرابين السماوية :

-يا أخي أنت صاحب لوائي .

قال أبو الفضل وهو يكاد يتميز من الغيظ :

-قد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين ، وأريد أن آخذ ثاري .

-إذا كان ولابدّ ، فاطلب لهؤلاء الأطفال ماء .

انطلق أبو الفضل إلى القبائل .. إلى قلوب قاسية أقسى من الحجارة ..

وإن من الحجارة لما يتفجّر منها الأنهار .

-يا عمر بن سعد ! هذا الحسين ابن بنت رسول الله .. قد قتلتم أصحابه وأهل

بيته ، وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى فاسقوهم من الماء .. قد أحرق الظمأ

قلوبهم . وهو مع ذلك يقول : دعوني أذهب إلى الروم أو الهند وأخلي لكم

الحجاز والعراق .

صاح الأبرص بصوت يشبه رنّة الشيطان :

-يابن أبي تراب ! لو كان وجه الأرض كلّه ماء ، وهو تحت أيدينا ، لما

سقيناكم منه قطرة .. إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد .

الأطفال يصيحون .. القلوب الظامئة تئنّ .. الشفاه الذابلة تهتف : العطش ..

العطش . والفرات يجري .. تتدافع أمواجه .. كبطون الحيّات . اعتلى

صاحب اللواء صهوة الجواد ...

حمل القربة ، وفي أذنيه كلمات قالها أبوه على شاطئ الفرات بصفين : روّوا

السيوف من الدماء ، ترووا من الماء .

انطلق أبو الفضل باتجاه الفرات وسط وابل من سهام ونبال .. رجال القبائل

يفرّون بين يديه مذعورين .. كأنما يفرّون من الموت الزؤام ..

الفارس يشقّ طريقه غير مبالٍ بالألوف التي أحدقت به .. يتوغّل في أعماق

النخيل المحدق بالشاطئ كأهداب حوريّة .. أبو الفضل يقحم فرسه النهر ،

فيتطاير رذاذ الماء . اهتزّت سعفات نخلة لكأنما طربت لشجاعة وبأس

ستذكرهما الأيام .


المياه المتدافعة تجري تحت الأقدام ، والفارس الظامئ يغترف من الماء غرفة ..

فيتذكّر قلباً يكاد يتفطّر عطشاً ، تمتم وهو يطوّح بقبضة الماء بعيداً

يا نفس من بعد الحسين هوني

وبعـده لا كنت أن تكـوني

ملأ القربة ماءً ، ثم قفز فوق جواده ، وانطلق نحو مضارب الخيام ...

القبائل تقطع عليه طريق العودة ، وقد غاظها منظر القربة تموج بمياه الفرات .

الفارس يسطر الملاحم وينشد :

لا أرهب الموت إذا الموت زقـا

حتى أوارى في المصاليـت لقـى

نفسي لسبط المصطفى الطهر وقا

إني أنا العباس أغـدو بالسقـا

ولا أخاف الشرّ يوم الملـتقـى


رجل من القبائل يتقن الغدر يختبئ وراء نخلة ..

في يده سيف ورثه عن ((ابن ملجم)) .

السيف الغادر يهوي – على حين غفلة – فيطيح باليمين لتستقر عند جذع نخلة سمراء :

والله إن قطعتـم يميـني

إني أحامي أبداً عن ديني

وعن إمام صادق اليقين

نجل النبي الطاهر الأمين


أبو الفضل يشقّ طريقه . أصبح هدفه إيصال الماء إلى قلوب تتصدّع عطشاً

وتحلم بمواسم المطر .

سيف غادر آخر يهوي من وراء نخلة ، فيطيح بالشمال . سقطت الراية ومن

قبلها سيف علوي .. وأبو الفضل يشقّ طريقه في وابل السهام والنبال .

وعندما اخترق القربة سهم وانثالت المياه ، فقد الفارس المقطوع اليدين حماسه

في العودة إلى المخيم ، ودارت به القبائل كدوّامة مجنونة ، وهوى الرجل – وما

هو برجل – بعمود على رأسه ففلق هامته ، وانطلق صوت يبشر بالسلام القادم .

-عليك مني السلام أبا عبد الله .

وانطلقت من بين مضارب الخيام صيحات تنذر بهبوب العاصفة..صاحت

زينب ومعها نسوة وبنات :-واضيعتنا بعدك .

فتمتم الحسين وهو ينشج :-واضيعتنا بعدك !

__________________
عظم الله لكم الأجر

لكم وحشة فاطميات ..

التعديل الأخير تم بواسطة النوراء ; 10-12-2010 الساعة 10:33 AM
النوراء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-12-2010, 03:04 PM   #32
النوراء
~¤ مشرفة سابقة ¤~
 
الصورة الرمزية النوراء
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: سيهآآت
العمر: 31
المشاركات: 267
معدل تقييم المستوى: 31
النوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to behold
افتراضي رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد

14

أزفت ساعة الرحيل .. أجال آخر الأسباط عينيه المتألقتين في الرمال الممتدّة حتى الأفق .

نساء وأطفال خرجوا من بين الخيام .. العيون الحزينة تحدق بآخر الرجال ..

بآخر خيوط الأمل .

هتف الحسين بأعلى صوته .. يخاطب التاريخ والإنسان .

-هل من ذابّ عن حرم رسول الله ؟ هل من موحّد يخاف الله فينا ؟

وامتزجت صرخته بعويل وبكاء .. وانغمست بالدموع .. بالدماء .

نهض فتىً طوّح به المرض .. نهض يجرجر نفسه وسيفه .. يتوكأ على عصا ..

فتى ادّخره أبوه ليوم آخر .

هتف الحسين بأخته :

-احبسيه لئلا تخلو الأرض من نسل آل محمد !

كأسراب الغربان طاف الحزن بين الخيام .. جثم على القلوب المقهورة ، وراح

ينعق بصوت ينذر باقتراب الكارثة .

وقف الحسين للوداع .. وداع الأرض .. الشمس تغمر الرمال باللهب ، والفرات يجري ..

يمعن في الفرار .. والقبائل مجنونة بثارات قديمة .. والريح تدور .. تعدو بعيداً ..

مسكونة بالرحيل .. مبهورة بالسفر .. والحسين يرتدي حلّة العروج ..

على رأسه عمامة مورّدة ، ملتحف ببردة النبي .. متقلد سيفه .

القبائل تجنّ لمنظره .. تشتعل في أعماقها شهوة الثأر .. تبرق عيونها للأسلاب العظيمة .

طلب الحسين ثياباً لا يرغب بها أحد ، ليضعها تحت حلّته . فقدموا له سروالاً

قصيراً فأبعده بطرف سيفه .

-إنه من لباس الذلة .

اختار ثوباً قديماً ، فخرّقه بسيفه ، ولبسه تحت ثيابه .

القبائل تتحفز لقتل آخر الأسباط .. والسبط يودّع الأطفال والنساء .

احتضن طفله الرضيع ، وراح يقبله متمتماً بحسرة :

-بعداً لهؤلاء القوم إذا كان جدك المصطفى خصمهم .

الشفتان الصغيرتان تبحثان عن قطرة ماء .. والفرات يموج بالمياه .

يتلوّى وسط الصحراء حيّة تسعى . تقدم الحسين يحمل طفله الظامئ :

-ألا قطرة ماء ؟

وينطلق سهم غادر يحمل في نصله الذبح . الطفل يخرج يده الصغيرة من

القماط . ما تزال يده ممدودة .. تستفهم التاريخ والإنسان .

الدماء الشّفافة تغمر صدر الحسين .. الأب يملأ كفّه من النافورة الحمراء ..

ثم يطوّح بها في السماء . رشاش الدم يصّعد إلى الفضاء .. يخترق الحجب

البعيدة .. يخرق قوانين الأرض . همس الحسين :

-هوّن ما نزل بي أنه بعين الله ، اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد .

طيف ملائكي يخطف أمامه .. يحمل في جناحيه عبير الفردوس .

-دعه يا حسين فإنّ له مرضعاً في الجنّة .

مثل عاصفة غاضبة هبّ الحسين يمزّق بسيفه القبائل .

تساءل النخيل وهو يهزّ سعفاته بإجلال عن رجل وحيد يقاتل الآلاف .

أنا الحسيـن بن عـلـي


آليت أن لا أنـثــنـي


صرخ ابن سعد وهو يرى أحلامه تتبدد :

-هذا ابن الأنزع البطين . هذا ابن قتّال العرب .

احملوا عليه من كل جانب . فأطبقت عليه القبائل ، وأمّته آلاف السهام ،

وحالت بينه وبين الخيام .

هتف آخر الأسباط :

-يا شيعة آل أبي سفيان !! إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد ،
فكونوا أحراراً في دنياكم ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون .

صاح الأبرص :

-ما تقول يابن فاطمة ؟

-أنا الذي أقاتلكم والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا عتاتكم عن التعرّض لحرمي ما دمت حياً .

-لك ذلك .

وقصدته القبائل .. الحسين الظامئ يدمع أمواج الغدر .. يقاتل .. يقاوم ..

يحصد رؤوس الذين كفروا . شعر بعطش شديد .. والفرات محاصر بأربعة

آلاف أو يزيدون .. الفرات تنثال مياهه على الشطآن ترتاده دوابّ

الأرض ... وآخر الأسباط ينشد غرفة واحدة .

الزوبعة تتجه نحو النهر .. تجتثّ في طريقها أشباه الرجال .

قال ابن يغوث – وكان مع القبائل : ما رأيت مكثوراً قط قد قُتل ولده وأهل

بيته وصحبه أربط جأشاً منه ولا أمضى جناناً ولا أجرأ مقدماً .. ولقد كانت

الرجال تنكشف بين يديه إذا شدّ فيها ، ولم يثبت له أحد .

الحسين يقهر القبائل .. يحتلّ الفرات .. ويقحم فرسه المياه المتدفّقة .. الأمواج

تتلألأ في ضوء الشمس . شعر الفرس ببرودة الماء .. حنى رأسه ليشرب ..

ليرتوي .

قال قاهر الفرات مخاطباً الفرس ، وكان من جياد خيل النبي :

-أنت عطشان وأنا عطشان فلا أشرب حتى تشرب .

رفع الجواد رأسه .. رفض أن يشرب قبل صاحبه .

مدّ الفارس يده ليغرف ، ناداه رجل من القبائل :

-أتلتذّ بالماء وقد هتكت حرمك ..

طوّح السبط بقبضة الماء وانطلق صوب الخيام .. أشرقت الوجوه الخائفة . لقد عاد الأمل .

التفّت حوله صبية ونساء .. تعلقت به . الشمس تجنح نحو الغروب ، والحسين يسافر مع الشمس . ودّع عياله . كشف لهم صفحة من عالم الغد ، وقرأ عليهم سطوراً من دفتر الأيام :

-استعدّوا للبلاء ، واعلموا أن الله تعالى حاميكم وحافظكم وسينجيكم من شرّ الأعداء ويجعل عاقبة أمركم إلى خير ويعذّب عدوّكم بأنواع العذاب ويعوّضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة . فلا تشكوا ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم .


افتقد ابنته سكينة .. لم تكن مع المودّعين .. وجدها وحيدة في الخيمة وقد

غلب عليها الاستغراق . كانت تفكّر في طريق أبيها العجيب .

صرخ رجل من القبائل وهو يحلم بعبور جثة الحسين :

-اهجموا عليه ما دام مشغولاً بنفسه وحرمه .

نفثت القبائل سهاماً مسمومة النبال تخترق الخيام .. وتشك أُزرَ النساء .

فرّت النسوة إلى داخل الخيام .. العيون تحدّق بالحسين .. ماذا سيفعل آخر الأسباط ؟

الفارس الذي قدم من الجزيرة على قدر .. يحدّد ساعة الصفر ، ويبدأ الهجوم .

التاريخ يركض مبهور الأنفاس .. يتشبّث بركاب الحسين .. والحسين يسبق

التاريخ .. يغوص في عوالم بعيدة .. ويبقى التاريخ يقلب كفيه حائراً وسط الرمال .

القبائل تفرّ مذعورة بين يديه ، ووابل النبال يرشقه من كل حدب وصوب ، والحسين يقهر الموت ..

يحطّم جدران الزمن .. يتخطى القرون .

الروح العظيمة .. تريد الانطلاق من أهاب الجسد المجرّح ..

الجراح المتدفقة كينابيع فوّارة ، تروي الرمال المتوهّجة ..

الفرات يمعن في الفرار .. يضنُّ بقطرة ماء .

__________________
عظم الله لكم الأجر

لكم وحشة فاطميات ..

التعديل الأخير تم بواسطة النوراء ; 10-12-2010 الساعة 10:31 AM
النوراء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-12-2010, 08:03 PM   #33
amorah
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
الصورة الرمزية amorah
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 33
معدل تقييم المستوى: 0
amorah is on a distinguished road
افتراضي رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد

اللهم صلي على محمد وال محمد ......
جزاك الله الف خير ...
amorah غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-12-2010, 01:50 AM   #34
فرقان
♣ مشرفة سابقة♣
 
الصورة الرمزية فرقان
 
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: البحرين
المشاركات: 1,793
معدل تقييم المستوى: 645
فرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond reputeفرقان has a reputation beyond repute
رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد

السلام على الحسين بن علىي المظلوم الشهيد قتيل العبرات واسير الكربات
اختي النوراء
جزاك الله خير الجزاء على الموضوع الرائع وهذة الاسطر النورانية الحزينة والمؤلمة
بأنتظار ابداعتك اختي المؤمنة
مأجورين ومثابين انشاء الله
__________________


اللّـهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلى آبائِه
في هذِهِ السَّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَة وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً
وَدَليلاً وَعَيْنا حَتّى تُسْكِنَهُ اَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فيها طَويلاً
بِرحمتِك يا اَرْحَمَ الرّاحِمين
فرقان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-12-2010, 02:25 AM   #35
شذى الرحيل
♣ مشرفة سابقة ♣
 
الصورة الرمزية شذى الرحيل
 
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: حيثُ أنا في اللامكان
المشاركات: 0
معدل تقييم المستوى: 0
شذى الرحيل is a splendid one to beholdشذى الرحيل is a splendid one to beholdشذى الرحيل is a splendid one to beholdشذى الرحيل is a splendid one to beholdشذى الرحيل is a splendid one to beholdشذى الرحيل is a splendid one to beholdشذى الرحيل is a splendid one to beholdشذى الرحيل is a splendid one to behold
افتراضي رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد



وهل هناك أعذب من زمزم الحُسين لنرتوي منه
وقد أبدع يراع كمال السيد في صياغة
هذه التحفة الحسينية النيرة


مأجورين مثابين
رحيل


__________________
شذى الرحيل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-12-2010, 09:40 AM   #36
طبيب جروحي الامام علي(ع)
~¤ فاطمية متألقة ¤~
 
الصورة الرمزية طبيب جروحي الامام علي(ع)
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
الدولة: الاحساء الحبيبه ..
العمر: 34
المشاركات: 609
معدل تقييم المستوى: 77
طبيب جروحي الامام علي(ع) has a brilliant futureطبيب جروحي الامام علي(ع) has a brilliant futureطبيب جروحي الامام علي(ع) has a brilliant futureطبيب جروحي الامام علي(ع) has a brilliant futureطبيب جروحي الامام علي(ع) has a brilliant futureطبيب جروحي الامام علي(ع) has a brilliant futureطبيب جروحي الامام علي(ع) has a brilliant futureطبيب جروحي الامام علي(ع) has a brilliant futureطبيب جروحي الامام علي(ع) has a brilliant futureطبيب جروحي الامام علي(ع) has a brilliant futureطبيب جروحي الامام علي(ع) has a brilliant future
افتراضي رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد

شكرا وبارك الله فيك
__________________
طبيب جروحي الامام علي(ع) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-12-2010, 10:38 AM   #37
النوراء
~¤ مشرفة سابقة ¤~
 
الصورة الرمزية النوراء
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: سيهآآت
العمر: 31
المشاركات: 267
معدل تقييم المستوى: 31
النوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to behold
افتراضي رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد

-يا حسين ! ألا ترى الفرات كأنه بطون الحيّات ؟ فلا تشرب منه حتى تموت عطشاً .

ورماه أبو الحتوف بسهم في جبينه ، فانتزعه . وتدفقت الدماء من جبهته الشّماء .


همس الرجال الوحيد في قلب السماء : اللهم إنك ترى ما أنا فيه من عبادك

هؤلاء العصاة ، اللهم احصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تذر على وجه الأرض

منهم أحداً ، ولا تغفر لهم أبداً .

ثم هتف بأعلى صوته :

-يا أمّة السوء بئسما خلفتم محمداًَ في عترته . أما إنكم لا تقتلون رجلاً بعدي

فتهابون قتله . بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم إياي . وأيم الله إني لأرجو أن

يكرمني الله بالشهادة ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون .

عوى ذئب من القبائل :

-وبماذا ينتقم لك منّا يا ابن فاطمة ؟

-يلقي بأسكم ويسفك دماءكم ثم يصبّ عليكم العذاب صبّا .

الجسد الواهن تتسرب منه الدماء .. دماء كثيرة صبغت صعيد الأرض .

توقف السبط ليستريح قليلاً ، فرماه رجل من القبائل المسعورة بحجر ،

فانبثقت دماء من جبهته .

أراد الحسين أن يوقف نزف الدم بطرف ثوبه ، فجاءه سهم محددّ له ثلاث

شعب . انغرس السهم المثلث في قلب الحسين .. السهم يتشبث بالقلب

الجبل .. إنها النهاية .. نهاية الألم .. بداية الرحيل إلى عوالم السلام .

تأوّه الحسين :

-بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ..

ثم رفع وجهه نحو السماء متضرعاً .

-إلهي إنك تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري !

السهم يغوص في الجسد الواهن .. يخرج رؤوسه من القفا كالأفاعي ..

وتنبعث الدماء غزيرة .. غزيرة . صوت يشبه نشيج الميازيب في مواسم

المطر .

الحسين يملأ كفّيه دماً عبيطاً ثم يطوّح به نحو السماء ويهتف :

-هوّن ما نزل بي أنه بعين الله .

الدماء القانية الثائرة تسافر في عالم الأفلاك .. تصبغ النجوم .. تلوّن الآفاق .

مرّة أخرى ، ملأ الحسين كفّيه دماً ، ثم خضب رأسه ولحيته استعداداً

للرحيل :

-هكذا ألقى الله .. وجدّي رسول الله .

وأعياه نزف الدم ، فهوى على الأرض كنجم منطفئ .

تقدم ((ابن نسر)) إليه وعيناه تبرقان حقداً ، فضربه بالسيف على رأسه .

تمتم الحسين متألماً :

-لا أكلت بيمينك ولا شربت ، وحشرك الله مع الظالمين .

وأحاطت به القبائل كلاباً مسعورة .. تنهش جسده .

همس الحسين :

-هذا تأويل رؤياي قد جعلها ربّي حقاً ..


ضربه ((زرعة)) على كتفه الأيسر ، ورماه ((ابن نمير)) في حلقه وطعنه

((سنان)) في ترقوته ، ثم في صدره ، ورماه بسهم في نحره .

الكلاب تنهش جسده .. وكان أشدّها الأبقع ... .

العينان الواهنتان فيها بقايا ألق .. يوشك على الرحيل..الحسين يرفع طرفه نحو السماء :

-اللهم متعالي المكان ، عظيم الجبروت ، شديد المحال ، غنيّ عن الخلائق ،

عريض الكبرياء ، قادر على ما تشاء ، قريب الرحمة ، صادق الوعد ، سابغ

النعمة ، حسن البلاء ، قريب إذا دعيت ، محيط بما خلقت ، أدعوك محتاجاً

وأرغب إليك فقيرا ، صبراً على قضائك يا رب لا إله سواك .


الحسين ينوء بنفسه . الروح تتسرب من أفواه الجراح .. تغوص في الرمال ..

تبثّها أسراراً توقظ فيها مدناً ثائرة .

ماذا يفعل الفرس ؟ لِمَ يدور حوله ؟ يلطخ ناصيته بدمه .. يشمه .. يصهل

بغضب .. ينادي :

الظليمة الظليمة من أمّة قتلت ابن بنت نبيها .

صرخ ابن سعد بالقبائل :

-دونكم الفرس فإنه من جياد خيل رسول الله . فدارت به الخيل .. أخذت

عليه الطرق . الفرس يقاتل .. يقاوم .. يتحول إلى بركان . وانبهر قائد

القبائل :

-دعوه لننظر ما يصنع ..

انطلق الفرس نحو مضارب القافلة ، وهو يصهل عالياً :

-الظليمة .. الظليمة من أمّة قتلت ابن بنت نبيها ...

هبّت نسوة وأطفال .. لقد وقعت الواقعة . صرخت زينب :

-وامحمداه .. وا أبتاه .. واعلياه .. واجعفراه .. واحمزتاه . هذا حسين

بالعراء .. صريع بكربلاء .. ليت السماء أطبقت على الأرض ، وليت الجبال

تدكدكت على السهل !..

عندما وصلت زينب ، كان الحسين يوشك على الرحيل .. يودّع الصحراء ،

بعد أن روّاها بدمه .

القبائل مفتونة .. تدور حول آخر الأسباط .. وقد زلزلت الأرض زلزالها .

ماذا بوسع زينب أن تفعل . الحسين يجود بنفسه .. لقد تمزق جسده .. وما تزال الروح هي هي ..

شديدة البأس . زينب تحاول إيقاظ بقايا الإنسان في زعيم القبائل .. هتفت بلوعة :

-أي عمر ! أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه !!

لقد مات الإنسان في داخله ...

أهاب بالقبائل لإسدال الفصل الأخير :

-أنزلوا إليه وأريحوه .

-صرخت زينب :

-أما فيكم مسلم ؟!

ولا من جواب . لقد مات الإنسان في عصر الذئاب والليل والعواء .

-انزلوا إليه وأريحوه .

كان الأبرص ينتظر الإشارة بلهفة . التمعت عيناه بوحشية ، وهو يرفس

جسد الحسين الممزّق .. جلس على صدره . الأبقعُ ينهش جسد السبط ..

يقبض على شيبته .. ويهوي بسيف غادر على رأسه . ينفصل الرأس عن

الجسد .. القبائل تموج مأخوذة بهول ما يجري فوق الرمال ...

الجسد ساكن بلا حراك . الكلاب تنهش .. تنهش الجسد الدامي .

ويرتفع رأس ابن النبي فوق رمح طويل .. يتطلع إلى آخر الدنيا ، ويقرأ سورة الكهف .

انطفأت الشمس .. ومطرت السماء دماً عبيطاً ، وبدا الأفق الغربي شديد الحمرة كجراح نازفة .

وعصفت القبائل المسعورة بالخيام .. فأشعلت فيها النار . وفرّت النسوة والأطفال ..

هاموا على وجوههم في الرمال .

وانبرت عشرة خيول مجنونة .. خيول اعتادت السلّب والنهب والغارات ..

تعوّدت سحق ورود البنفسج وبقر بطون الأطفال ... اهتزّت الأرض تحت

سنابك الخيل وهي تمزّق صدر الحسين .. وفاحت من الجسد قبلات محمد

والزهراء ، ملأت الفضاء وامتزجت مع ذرات رمال الصحراء .. والتاريخ .

النار المجنونة تلتهم الخيام .. وصراخ الأطفال يملأ الدنيا ...

والذئاب تعوي بقسوة ... والليل شديد الظلمة .. والريح تذرو الرمال ..


تغطّي الأجساد العارية بغبرة خفيفة .. والقبائل تنهب وتسلب .. والفرات

يمعن في الفرار ..

ورأس الحسين فوق رمح طويل .. ينظر إلى آخر الدنيا ..

إلى قوافل قادمة من رحم الأيام .



يتبع ~>

الجزء القادم هو آخر الأجزاء
__________________
عظم الله لكم الأجر

لكم وحشة فاطميات ..
النوراء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-12-2010, 12:34 PM   #38
جنة لبنان
~¤ مشرفة سابقة ¤~
 
الصورة الرمزية جنة لبنان
 
تاريخ التسجيل: Nov 2010
الدولة: لبنان
العمر: 45
المشاركات: 0
معدل تقييم المستوى: 0
جنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond reputeجنة لبنان has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد

__________________
جنة لبنان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-12-2010, 05:57 PM   #39
النوراء
~¤ مشرفة سابقة ¤~
 
الصورة الرمزية النوراء
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: سيهآآت
العمر: 31
المشاركات: 267
معدل تقييم المستوى: 31
النوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to beholdالنوراء is a splendid one to behold
افتراضي رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد

15

فرّت الشمس .. توارت خلف الأفق المضمخ بحمرة قانية ،

وأشرق القمر دامياً كعين تنتحب ..

القبائل ما تزال تعصف بالخيام تضرم فيها النار ، والنار تمدّ ألسنتها كأفواه

جائعة أصابها مسّ من الجنون ، فهي تلتهم كل شيء .

الذئاب تعوي .. تفتك بجملان صغيرة خائفة ...

الشياطين تصارع الملائكة .

وصرخات تدوّي :

-لا تدعوا منهم أحداً صغيراً ولا كبيراً .

الذئاب تقتحم خيمة فيها فتى عليل لا يقوى على النهوض ...

جرّد الأبرص سيفه .. ما زال متعطشاً للدماء .. استنكر رجل من القبائل :

-أتقتل الصبيان ؟! إنما هو صبي مريض .

-لقد أمر ابن زياد بقتل أولاد الحسين .

وانبرت زينب بشجاعة أبيها :

-لا يُقتل حتى أُقتل دونه .

ونادى منادٍ باقتسام الغنائم ، فتنازعت القبائل الرؤوس ، زلفى إلى ابن زياد

حاكم المدينة الغادرة .

ارتفعت رؤوس مقطوعة فوق الرماح .

قافلة من العمالقة يتقدمها رأس يبط آخر الأنبياء .. يحمله الأبرص .

سبعون رأس أو يزيدون لم تنحنِ لغير الله ..

فارتفعت فوق ذرى الرماح ..

وكان في مقدمتها رأس آخر الأسباط .


وكان الفتى المريض يجود بنفسه ، فقالت عمته وهي تخترق جدران الزمن :

-ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي ، فوالله إن هذا لعهد من

الله إلى جدك وأبيك ، ولقد أخذ الله ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة الأرض ،

وهم معروفون في هل السماوات ، أنهم يجمعون هذه الأعضاء المقطعة

والأجسام المضرجة فيوارونها ، وينصبون بهذا الطف علماً لقبر أبيك لا يُدرس

أثره ولا يمحى رسمه على كرور الليالي والأيام.وليجتهدُنّ أئمة الكفر وأشياع

الضلالة في محوه وطمسه ، فلا يزداد إلا علوّاً .

منظر السماء والجثث المتناثرة هنا وهناك والسيوف المكسرة والسهام المغروسة

في الرمال .. تحكي ملحمة رهيبة سطّرها رجال قهروا الموت ، وفجّروا في

قلبه نبع الحياة ، وأماطوا اللثام عن سرّ الخلود .

تقدمت امرأة تعدت الخمسين من العمر إلى جسد تعرفه ، رعتْه صغيراً وراقبته

كبيراً وشهدته ممزّقاً بحوافر خيل مجنونة .

جثت زينب عند مصرع آخر الأسباط ، الجسد الممزق ساكن بلا حراك . لقد

غادرت الروح التي دوّخت القبائل . دست زينب يديها تحت جسد أخيها ..

رفعت بصرها إلى السماء .. إلى الله .. وتمتمت بعينين تفيضان دمعاً :

-تقبلْ منا هذا القربان ... يا إلهي .

وألقت ((سكينة)) بنفسها على جسد أبيها العظيم واعتنقته ، وغمرتها حالة

من الاستغراق . كانت تصغي إلى صوت ينبعث من أعماق الرمال .. همهمة

سماوية عجيبة تشبه صوت والدها الراحل :

-شيعتي ما إن شربتم عذب ماء فاذكروني .

أو سمعتم بغريب أو شهيد فاندبوني .

لملمت القبائل خزيها .. عارها الأبدي تريد العودة إلى الكوفة ..

و((سكينة)) ما تزال تتشبت بالجسد المضمخ بالدم .

هجم الأعراب من القبائل وجرّوها بعنف وراحوا يكعونها برؤوس الرماح

حتى استوت على ناقتها .

عشرون امرأة ثكلى ، وفتى عليل ، وأطفال يتامى مذعورون ،

هو كل ما غنمته القبائل في أطول يوم في التاريخ .

أما الرؤوس فقد راحت تتسابق فيها الخيل بشرى إلى الأرقط حاكم المدينة

المشهورة بالغدر .


غادرت القبائل شواطئ الفرات ..

تركته وحيداً يتلوى في الصحراء كأفعى حائرة .

وغادر موكب السبايا والعيون الحزينة تتلفت إلى أجساد متناثرة فوق الرمال

كنجوم منطفئة .. إلى أن غابت عن البصر ،

وساد صمت رهيب ما خلا أنين خافت ينبعث من أعماق الأرض المصبوغة بلون إرجواني .

عظم الله لكمـ الأجر

تمّت ،.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا حسن الخاتمة بأن يثبتنا على ولاية أمير المؤمنين ..

وأعظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بأبي عبد الله الحسين عليه السلام ..

__________________
عظم الله لكم الأجر

لكم وحشة فاطميات ..
النوراء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-12-2010, 09:31 PM   #40
حورية إنسية
~ نائبة سابقة ~ ••وماتوفيقي الا بالله ••
 
الصورة الرمزية حورية إنسية
 
تاريخ التسجيل: May 2010
المشاركات: 279
معدل تقييم المستوى: 802
حورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond reputeحورية إنسية has a reputation beyond repute
افتراضي رد: ألم ذلك الحسين ,, رواية رآئعة لـ كمال السيد

بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم صل على محمدا وال محمد وعجل فرجهم واهلك اعدائهم


الله يعطيكِ العافية حبيبتي
النوراء

مجهود يستحق الشكر والتقدير

مأجورة ان شاء الله



نسألكم الدعاء
حورية


__________________
<TABLE width="100%"><TBODY><TR><TD width="20%"></TD><TD>إذا جَادَتِ الدُّنيا عَلَيْكَ فَجُدْ بها -على الناس طراً إنها تتقلب

فَلاَ الجُودُ يُفْنِيْهَا إذا هِيَ أَقْبَلَتْ-ولا البُخْلُ يُبْقِيْها إذا هِيَ تَذْهَبُ
امير المؤمنين الامام علي عليه السلام
</TD></TR></TBODY></TABLE>
روي عن رسول الله () : يا سلمان !.. مَن أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي ، ومَن أبغضها فهو في النار . يا سلمان !.. حبّ فاطمة ينفع في مائة موطن ، أيسر تلك المواطن: الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة ، فمَن رضيتْ عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه ، ومَن رضيت عنه رضي الله عنه ، ومَن غضبتْ عليه فاطمة غضبت عليه ، ومَن غضبتُ عليه غضبَ الله عليه . يا سلمان !.. ويلٌ لمن يظلمها ويظلم ذريتها وشيعتها ..ّ

نسألكم الدعاء
شكرا للقلوب التي احتوتني
حورية إنسية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الفاطميات الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 (0 فاطمية و 1 زائرة )
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مذا يقول السيد كمال الحيدري في أم المؤمنين عائشة nono moon أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع) 4 20-09-2010 12:03 PM
كلام رأس الأمام الحسين (ع) حور عين أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع) 3 17-07-2010 03:20 AM
إصدار جديد الدر المنتقى من كلام السيد الرضا مهندسة اسلاميات - برامج اسلامية, منوعات, دروس ,محاضرات أخلاق آداب إسلامية, مسابقات اسلامية 1 25-01-2010 08:28 PM


الساعة الآن 01:12 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir