رد: دروس من ثورة الحسين عليه السلام
نتعلم من الحسين (ع) ان التضحية والفداء مبدأ عظيم في حياة الإنسان والامة عموماً، ولعلنا في ضمن الدروس السابقة تحدثنا عن أهمية هذا المبدأ ومقدماته وآثاره.
الا اننا نريد ان نذكر هنا نقطتين أساسيتين:
أولاهما – ان التضحية لها عدة مراتب ومستويات، كما ان لها عدة أشكال وكيفيات، وذلك بحسب الظروف.
وضابط التضحية المقدسة هو ان يقدم الفرد اعز ما يملكه او يحبه من اجل حفظ الدين الالهي ومصلحة المسلمين والدولة الاسلامية، وكذلك الحال فيما لو كانت التضحية من اجل الغايات النبيلة والقيم الإنسانية العليا.
وقد جسد الحسين (ع) جميع معاني التضحية المقدسة، وكان يتحمل المصاعب بقلب من حديد، وهو يناجي رب العالمين :
(اللهم ان كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى).
وفي الحقيقة فان مقدار التضحية والفداء يتناسب طردياً مع مقدار الايمان والاخلاص، فالمؤمن المخلص هو الذي يتعامل مع الله تعالى مباشرة، وهو انما يضحي من اجله، ولا ينتظر من المقابل مدحاً او تقديراً.
((انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكوراً)).
ولذلك يقول الإمام الحسين (ع) بعد ان ذبحوا رضيعه بين يديه :
(هون ما نزل بي انه بعين الله).
ثم يسأل الله تعالى قائلاً:
(واجعل ما حل بنا في العاجل، ذخيرة لنا في الآجل).
ثانيهما – ان هذه التضحية المقدسة، يجب ان تكون مقرونة بالوعي والفهم والبصيرة، فان كثيراً ما يضحي الفرد بنفسه او ماله او ولده من اجل غاية رخيصة او جهة منحرفة، سواء كان يعلم بذلك ام لا يعلم.
ومن الواضح انه لو كان عالماً متعمداً فهو بالتأكيد ممن باع آخرته بثمن بخس، سواء كان هذا الثمن هو دنياه او دنيا غيره فضلاً عما لو كانت تضحيته مقابل لا شيء بحسب المقاييس الالهية (الشرعية) او العقلائية، في حين ان الوارد عن المعصومين (ع) : ( ليس لأبدانكم ثـمن الا الـجنة فلا تبيعوها بغيرها).
فاذا إلتفتنا الى ان هذه الابدان امانة عندنا والمفروض ان نصونها من الخبائث والنجاسات، وان نحافظ على كرامتها وشرفها، فعندئذ يكون الامر الوارد في هذا الحديث هو امر تكليفي وليس ارشادياً.
ومحل الشاهد في هذه النقطة هو التنبيه على ان التضحية قد تكون احياناً سلبية وغير مقبولة لا شرعاً ولا عقلاً ولا نوعاً.
ولعل أوضح مثال معاصر على هذه الحالة الخاطئة هو تلك العمليات الانتحارية التي يقترفها بعض المجرمين الذين يدعون الاسلام ضد المسلمين اليوم.
وفي الحقيقة فانني فكرت في الاسباب التي تدعو هؤلاء الارهابيين المجرمين الى تفجير انفسهم لقتل المسلمين فتوصلت الى قناعة معينة مفادها ان هناك عدة اسباب محتملة اهمها ما يلي:
1-ان يكون هؤلاء الانتحاريون مرضى معذبين او يائسين من الحياة، فتختارهم بعض الجهات لأجل تنفيذ مثل هذه العمليات اما بمقابل او بلا مقابل.
2- ان يكون هؤلاء فقراء عاجزون عن معيشة عوائلهم كما في بعض المناطق الافريقية، فيدفعون لهم اموال مقابل التضحية بانفسهم، وتعطى هذه الاموال لعوائلهم.
3- ان يكون هؤلاء الانتحاريون من الطبقة الساذجة التي تصدق بكل ما يقال، وتقدس الاشخاص بدون ملاحظة افكارهم ومبادئهم، فيحصل معهم ما يسمى بغسيل الدماغ او السيطرة على الافكار.
4-ان يكون هؤلاء ممن ينتمي الى مذهب او تيار عدواني فوضوي، ومثل هؤلاء الذئاب لا ينفع الكلام معهم، لانهم اصلاً بلا عقول وبلا قلوب.
فأي عاقل يرضى بشريعة الحيوانات المفترسة؟ وأي عاقل يكون القتل لغته وحواره؟! واي عاقل يرضى بأن يقتل الابرياء بلا ذنب وبلا سبب؟!
ان نظرة سريعة في التاريخ تجعلنا امام مصاديق كثيرة لمثل هؤلاء المتحجرين، فالخوارج كانوا يدّعون الاسلام، ولكنهم حاربوا الامام علي (ع) الذي امرهم النبي (ص) بإتباعه وعدم مـخالفته.
والمصيبة انهم كانوا ينادون ( الرواح الرواح الى الجنة) وهم يقاتلون الامام علي (ع)..
فأي عقول متحجرة هذه، واي جهل مركب هذا!!.
وقد ورد في الاخبار ان احد افراد جيش يزيد قال للحسين (ع) حينما اوقد ناراً في خندق ليحمي خيامه : (إستعجلت بالنار)..
فهذا التافه المتحجر قال ذلك للحسين (ع) وهو يعلم انه إبن بنت رسول الله (ص)، وانه وارث الإمامة.
وقد رد عليه الحسين (ع) بدعاء خالص: ( اللهم حُزه الى النار)، فوقعت فرسه في النار واحترق فيها، وذعر قوم فانسحبوا من القتال.
وعلى اية حال فنحن الان نريد ان نشير الى هؤلاء المتطرفين المتشددين ممن يدّعون الاسلام، وهو منهم براء، امثال مـجرموا تنظيم القاعدة ونحوهم من الضالين، فهؤلاء القتلة يتعاونون اليوم مع اذناب النظام السابق، وتساعدهم عصابات اسرائيل من وراء الكواليس، لأجل زعزعة الاستقرار والامن في هذه المنطقة الحساسة.
فهل سألوا انفسهم عن المسوغ الشرعي لقتل العراقيين الابرياء، وما هو ذنب هذا المجتمع المسكين الذي يريد ان ينعم بالراحة والأمان؟!
وهل يوجد في العالم شعب اكثر التزاماً واخلاقاً من شيعة العراق حتى يهجموا عليهم بمثل هذه الهجمات القاسية؟
وهل يظنون انهم يثنون هذه الامة عن مبادئها ودينها؟..
كلا والف كلا.
وعلى اية حال، فان الوصف المناسب لهؤلاء الـمجرمين القتلة هو قول الله تعالى:
(انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله وهم يحسبون انهم مهتدون) الاعراف –30.
وكذلك قوله تعالى:
[ ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والانس، لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم اعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، اولئك كالأنعام بل هم أضل اولئك هم الغافلون) الاعراف –179.
واخيراً نقول: ان الفداء والتضحية والشهادة هي معان راقية وذات آثار مقدسة وعظيمة، ولكنها مشروطة بالمشروعية وباحراز رضا الله تعالى، وهذا يقتضي ان تجري هذه الامور بعد الفحص والتثبت لا الطاعة العمياء الفارغة، فان الله تعالى يقول في مقام الاحتجاج على الجاهل :
[ الم نجعل له عينين، ولساناً وشفتين ] البلد (8-9).
فالـمفروض ان لا يغامر الفرد بنفسه، فانها آخر ما يملكه وأعز شيء يمكن ان يتقرب به الى الله تعالى، وقد سمعنا قبل قليل ما ورد في الحديث من انه (ليس لابدانكم ثمن الا الجنة فلا تبيعوها بغيرها).
وكذلك ورد ما مضمونه انه بالعقل يُعبد الله تعالى ويطاع، فالمفروض ان يكون هناك تعقل ووعي واحاطة وتأمل.
ولنتذكر دائماً قول الله تعالى:
[ قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالاً؟ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعاً ] الكهف (103-104).
__________________
|