رد: مسلسل مسيرة الروح في عالم البرزخ
:: مساءلة القبر ::
لم يمض الكثير من الوقت على انصراف رومان تناهت إلى أسماعي أصوات غريبة عجيبة . وأخذت الأصوات تقترب أكثر فأكثر ويزداد فيَّ الرعب والرهبة , حتى وقف أمام عيني شبحان ضخمان مذهلان وبلغ اضطرابي ذروته لمّا شاهدت في يد كلٍّ منهما عموداً ضخماً من حديد يعجز من في الدنيا عن تحريكه, ثم فهمت أنهما نكير ومنكر.
فتقدم أحدهما مني فصاح صيحة لو سمعها أهل الدنيا لماتوا .
وتصورت أن أمري قد انتهى . وبعد لحظات تكلّما وباشرا بالسؤال :
مَنْ ربك؟ مَنْ نبيك؟مَن إمامك ؟ فتلكأ لساني لشدة الخوف والرعب , وتوقف عقلي , بالرغم من أن فهمي وعقلي ازداد عمّا هو في الدنيا مئات المرات لكنه قصر هنا ... كنت أعلم بنزول أعمدتهم على رأسي إنْ لم أجبهم , ما عساني فاعلٌ؟ أطرقت برأسي وأخذت بالبكاء وتهيأت لنزول الضربة .
في تلك اللحظات حيث كنت أتصور أن كل شيء قد انتهى , تعلق فؤادي برحمة الله سبحانه و شفاعة المعصومين - عليهم السلام – ,
فأخذت أردد : يا أفضل خلق الله وعباده , لقد كنت طيلة عمري أطلب منكم أن تدركوني عندما أحلُّ في قبري , وليس من كرمكم التخلي عني في هذا الحال !هنا ارتفعت أصوات أولئك بالسؤال . ولم يمض إلاّ قليلاً من الوقت حتى استنار قبري , وأصبح نكير ومنكر أكثر شفقة فسُرَّ قلبي واطمئن روحي وانفتح لساني , فأجبتهم بشجاعة وصوت عالِ الله ربي ومحمد نبيي , وعلي وأولاده أئمتي , والقرآن كتابي , والكعبة قبلتي ... الخ , ولقد وددت لو أعادوا السؤال كي أجيبهم بكل قوة .
وفي الوقت الذي بدا نكير ومنكر رضيا فتحا من تحت قدميَّ بابا ً إلى جهنم وقالا : لولا أنك قد أحسنت الجواب لكان مستقرك هناك. ثم أغلقوا تلك الباب وفتحوا من أعلى رأسي بابا أطلَّت على الجنة فبشروني بالسعادة . ومع هبوب نسيم الجنة امتلأ قبري بالنور واتسع لحدي واسترحت قليلاً .
وهنا انتابتني حالة من السرور العارم والسعادة لخلاصي من ضيق القبر وظلمته .
:: الحضور عند الغربة ::
لم يستمر سروري لظفري في أول اختبار وسرعان مازال , وبزواله أدخل فيَّ حالة من الشعور بالضيق والغربة فأخذت أفكر مع نفسي : لقد كان لي في الدنيا الكثير من الأصدقاء والمعارف والأقارب , وكانت لي بهم علاقات طيبة وحميمة , بين أن يدي أصبحت صفرا ًمنهم .
يا الهي ! كيف أتحمل الغربة في هذه اللحظات العصيبة القاسية ؟! وهل سيستمر همُّ الغربة مسيطرا ً عليَّ في هذا العالم ؟
أطرقت برأسي وأخذت أبكي دون اختيار مني , وما هي إلا لحظات حتى
تناهى إلى مشامّيِ عطرٌ طيب للغاية , وأخذ يزداد ويزداد .
وفي الوقت الذي كان كتابي يثقل كاهلي رفعت رأسي بصعوبة فشاهدت رجلا يقف أمامي فأدهشني وجوده , لقد كان شابا ًحسن الوجه طيب الأخلاق , فمسحَ الدموع من عينيَّ بيده وابتسم لي .
فبادرت بالسلام تعبيرا ًعن تأدبي أمامه وجلست على ركبتيَّ أنظر مدهوشا ًإلى عينيه وأردد : تبارك الله أحسن الخالقين. ثم سألته بصوت واضح : مَنْ أنت حتى جئت تسلّيني وتصحبني في هذه اللحظات المليئة بالغربة والاضطراب ؟
فأجاب مبتسما ً : لست غريبا ً , وهذه الديار تعرفني حيث أكون ورفيقا ً ومؤنسا ً في هذه الطريق الخطير .
قلت : انه الفلاح , ولكن منْ أنت؟ لا شك أنك غريب على أهل ذلك العالم , فلم أرَ مثلك جمالا ً مدى حياتي .
فقال ولم تزل تلك الابتسامة مطبوعة على شفتيه : الحق معك أن لا تعرفني ! فلقد كنت في ذلك العالم قليلا ًما تهتم بي . فأنا ثمرة أعمالك الصالحة وها أنت تراني بهذه الهيئة .
اسمي (( حَسَنٌ )) وأنا الذي آخذ بيدك في هذا الطريق الخطر .
__________________
يا زهراء انتِ ملاذي في يوم المحشر
|