رد: لماذا نحن الشيعة نجمع بين الفروض وهل يوجد دليل يثبت ؟
◄ الأمر السابع: حكم الجمع في الصلاة في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)
استدلّ الأصحاب في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) على جواز الجمع بين الصلاتين بعدد من الأخبار، ولمّا كانت هذه المسألة ذات علاقة بأحكام أوقات الصلاة، نرى من اللازم التعرض إليها قبل معرفة حكم الجمع بين الصلاتين .
قال تعالى: (إنّ الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً)(52).
وقال: (أقم الصّلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً)(53).
واختلف المفسّرون في الدلوك، فقال قوم: دلوك الشمس زوالها، وهو قول ابن عباس، وابن عمر، وجابر، وأبي العالية، والحسن، والشعبي، وعطاء ومجاهد، وقتادة. والصلاة المأمور بها على هذا هي صلاة الظهر، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ص)، وبهذا تكون الآية جامعة للصلوات الخمسة، فصلاتا دلوك الشمس الظهر والعصر، وصلاتا غسق الليل هما: المغرب والعشاء الآخرة، والمراد بقرآن الفجر: صلاة الفجر، فهذه خمس صلوات(54).
قال الطبرسي: إنّه يمكن الاستدلال بالآية على ذلك، بأن يقال: إنّ الله سبحانه جعل من دلوك الشمس، الذي هو الزوال الى غسق الليل وقتاً للصلوات الأربع، إلاّ أنّ الظهر والعصر اشتركا في الوقت من الزوال إلى الغروب، والمغرب والعشاء الآخرة اشتركا في الوقت من الغروب إلى الغسق، وأفرد صلاة الفجر بالذكر، في قوله: (وقرآن الفجر) ففي الآية بيان وجوب الصلوات الخمس، وبيان أوقاتها. ويؤيد ذلك ما رواه العياشي بالإسناد عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ص) في هذه الآية ، قال: إنّ الله افترض أربع صلوات، أوّل وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل، منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروبها، إلاّ أن هذه قبل هذه، ومنها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلاّ أن هذه قبل هذه(55).
قال الشيخ الطوسي: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر، ويختص بها بمقدار ما يصلّي فيه أربع ركعات، ثم بعد ذلك مشترك بينه وبين العصر، إلى أن يصير ظلّ كل شيء مثله، فإذا صار كذلك خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر، وأوّل وقت العصر إذا مضى من الزوال مقدار ما يصلّي الظهر أربع ركعات، وآخره إذا صار ظلّ كل شيء مثليه، وأوّل وقت المغرب إذا غابت الشمس، وآخره إذا غاب الشفق وهو الحمرة، وأوّل وقت العشاء الآخرة إذا غاب الشفق الذي هو الحمرة، وفي أصحابنا من قال: إذا غابت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين ولا خلاف بين الفقهاء إنّ أوّل وقت العشاء الآخرة غيبوبة الشفق(56).
وقال في مسألة حكم الجمع: يجوز الجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء الآخرة في السفر والحضر عند المطر وغير المطر، والجمع بينهما في أوّل وقت الظهر، فإنْ جمع بينهما في وقت العصر كان جائزاً (57).
(( ومن الأخبار التي دلّت على جواز الجمع من غير علّة نذكر ما يلي )):
عن عبد الله بن سنان عن الصادق(ص) : أنّ رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علّة بأذان واحد وإقامتين(58).
وعن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله (ص) قال: «إنّ رسول الله (ص) صلّى الظهر والعصر في مكان واحد من غير علّة ولا سبب، فقال له عمر ـ وكان أجرأ القوم عليه ـ : أحدث في الصلاة شيء؟! قال: لا، ولكن أردت أن أُوسّع على أُمّتي»(59).
وعن عبد الله بن عمر، أن النبي (ص) صلّى بالمدينة مقيماً غير مسافر جميعاً وتمامجمعاً(60).
◄ الخلاصة :
وهكذا يتّضح أن مسألة أوقات الصلاة كانت موضع اتّفاق عند المذاهب الإسلامية عدى اختلاف يسير.
فالأوقات للصلوات الخمسة ثلاثة: الظهر والعصر يشتركان في وقت، وصلاتي المغرب والعشاء لهما وقت مشترك أيضاً، أما صلاة الصبح فلها وقت خاص، ولكل من الصلوات الأربع أوقات مختصة بها على التفصيل الذي ذكرناه.
وحكم الجمع بناءً على اشتراك الوقت، بين صلاتي الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فهو الجواز عند كل المذاهب، والاختلاف قد وقع في الأسباب حيث قيّدوه بالسفر مرّة، والحضور بعرفة مرّة أُخرى، أو المرض والعجز والطين والمطر مرّة ثالثة .
أمّا أتباع مذهب أهل البيت: فقد قالوا بجواز الجمع من غير عذر أو بعذر مخافة الحرج، استناداً للأخبار الصحيحة عندهم(61) والتي جاء مثلها في كتب الصحاح والمسانيد عند أهل السنّة أيضاً(62)، إلاّ أنهم أوّلوها فكان التأويل قاعدة للحكم لا إلى ما تستظهره رواياتهم بجواز الجمع مطلقاً.... والحمد لله ربّ العالمين.
_______________________________________
1- الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت (عليهم السلام) 1/ 180، كتاب الصلاة، باب مواقيت الصلاة المفروضة.
2- الفقه على المذاهب الأربعة: 1/182، كتاب الصلاة ، باب ما تعرف به أوقات الصلاة.
3- وسائل الشيعة: 3/116، كتاب الصلاة، باب أوقات الصلاة، ح 4795 ـ 1.
4- الإسراء: 78.
5- التفسير الكبير للإمام الفخر الرازي: 21/27، تفسير الآية 78 من سورة الإسراء.
6- تذكرة الفقهاء للعلاّمة الحلّي: 2/365، كتاب الصلاة، أوقات الصلاة، البحث السادس في الجمع.
7- الفقه على المذاهب الأربعة، للجزيري: 1/487، كتاب الصلاة، مباحث الجمع بين الصلاتين.
8- الفقه على المذاهب الأربعة: 1/487، كتاب الصلاة، مباحث الجمع بين الصلاتين.
9- الفتاوى لابن تيمية: 314.
10- صحيح مسلم: 2/151، كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.
11- مسند ابن حنبل: 1/221، مسند عبد الله بن عباس، ح 1921.
12- صحيح مسلم: 2/152، كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.
13- صحيح مسلم: 2/152، كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، ومسند ابن حنبل: 1/251، مسند عبد الله بن عباس، ح 2269.
14- صحيح مسلم: 2/153، كتاب الصلاة، الجمع بين الصلاتين في الحضر.
15- صحيح مسلم: 2/151، كتاب الصلاة، الجمع بين الصلاتين في الحضر.
16- المصدر السابق: 2/152، كتاب الصلاة، الجمع بين الصلاتين في الحضر.
17- نفس المصدر السابق.
18- نفس المصدر السابق.
19- صحيح البخاري: 1/137، كتاب الصلاة، باب تأخير الظهر إلى العصر.
20- المصدر السابق: 1/140، كتاب الصلاة، باب وقت المغرب .
21- المصدر السابق: 1/141، كتاب الصلاة، باب ذكر العشاء والعتمة.
22- المعجم الكبير للطبراني : 10/218، ح 10525 .
23- كالإمامين مالك والشافعي وجماعة من أهل المدينة، إرشاد الساري : 2/222، كتاب مواقيت الصلاة، باب تأخير الصلاة، شرح الحديث 543.
24- صحيح مسلم بشرح النووي: 5/217، كتاب المسافر، باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر.
25- إرشاد الساري: 2/222، كتاب مواقيت الصلاة، باب تأخير الصلاة.
26- صحيح مسلم بشرح النووي: 5/218، كتاب الصلاة، باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، شرح الحديث..
27- شرح الزرقاني لموطأ مالك: 1/263، باب الجمع بين الصلاتين.
28- ليالي بيشاور، للسيد محمد الشيرازي: 38.
29- مسائل فقهية لشرف الدين: 22، الجمع بين الصلاتين.
30- شرح صحيح مسلم للنووي: 5/218، كتاب صلاة المسافر، الجمع بين الصلاتين.
31- صحيح البخاري : 1/140، باب وقت المغرب.
32- صحيح مسلم بشرح النووي: 5/215، كتاب صلاة المسافر، الجمع بين الصلاتين في السفر.
33- سنن أبي داود: 2/6، كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين، ح 214.
34- سنن الترمذي: 1/355، أبواب الصلاة، باب 24، ما جاء في الجمع بين الصلاتين، ح 187.
35- سنن النسائي : 1/491، كتاب مواقيت الصلاة ، الجمع بين الصلاتين في الحضر، ح 1573.
36- الموطأ: 91 ، ح 332.
37- سنن الدارقطني : 1/395، باب صفة صلاة المسافر، ح 5.
38- المعجم الكبير للطبراني: 10 / 218، ح 10525.
39- كنز العمّال : 8/246، الباب الرابع في صلاة المسافر، ح 22764.
40- سنن الدارقطني : 1/389، باب الجمع بين الصلاتين في السفر، الأحاديث 1 و 2 و 3. وصحيح مسلم بشرح النووي: 5/218، كتاب صلاة المسافر، الجمع بين الصلاتين.
41- صحيح مسلم: 2/153، كتاب الصلاة، الجمع بين الصلاتين في السفر.
42- صحيح مسلم بشرح النووي: 5/215، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، الجمع بين الصلاتين في السفر.
43- صحيح مسلم بشرح النووي: 5/215، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، الجمع بين الصلاتين في السفر.
44- المصدر السابق.
45- سنن أبي داود : 2/6 كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين، ح 1214.
46- الموطأ : 91 / ح 332 .
47- سنن النسائي : 1/290.
48- سنن الترمذي: 1/356، أبواب الصلاة ، باب 24 ما جاء في الجمع بين الصلاتين ح 188.
49- المصدر السابق: على هامش الحديث 188.
50- وسائل الشيعة: 3/116، كتاب الصلاة ح 4795 ـ 1، والخلاف للشيخ الطوسي: 1/257.
51- الفقه على المذاهب الأربعة، كتاب الصلاة، مباحث الجمع بين الصلاتين.
52- النساء: 103.
53- الإسراء: 78.
54- مجمع البيان: 6/282، تفسير الآية 78 من سورة الإسراء.
55- مجمع البيان،، تفسير القرآن للطبرسي: 6/283 ، تفسير الآية 78 من سورة الإسراء.
56- الخلاف، للشيخ الطوسي: 1/257.
57- المبسوط، للشيخ الطوسي: 1/140، كتاب الصلاة ، في صلاة المسافر.
58- الوسائل: 3/160، كتاب الصلاة، 33 باب الجمع بين الصلاتين، ح 1.
59- الوسائل: 3/160، كتاب الصلاة، 33 باب الجمع بين الصلاتين، ح 2.
60- المصدر السابق: 3/162، كتاب الصلاة، باب 33 الجمع بين الصلاتين، ح 8 .
61- الوسائل : 3/160، كتاب الصلاة ، باب 33 ، الجمع بين الصلاتين ، ح1 و 2.
62- صحيح البخاري: 1/140، صحيح مسلم بشرح النووي: 5/215 ، سنن أبي داود: 2/6، سنن الترمذي: 1/355، سنن النسائي: 1/491، الموطأ : 91، سنن الدارقطني: 1/395 ، المعجم الكبير للطبراني: 10/218، كنز العمال: 8/246.
__________________
اللّـهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلى آبائِه في هذِهِ السَّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَة وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً وَدَليلاً وَعَيْنا حَتّى تُسْكِنَهُ اَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فيها طَويلاً بِرحمتِك يا اَرْحَمَ الرّاحِمين
التعديل الأخير تم بواسطة فرقان ; 24-11-2011 الساعة 12:21 PM
|