03-06-2011, 12:34 PM
|
#4
|
●• فاطمية متميزة •●
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 0
معدل تقييم المستوى: 0
|
رد: قراءة تحليلية في أعمال شهر رجب.
الاهتمام بالأعمال المستحبة هي ذكر لله سبحانه وتعالى :
يركز كثير من الناس على الأعمال الواجبة, وترك المحرم.
هذا جميل, وينبغي أن يهتم به الإنسان, لكنه لا ينبغي للإنسان أن يحصر نشاطه العبادي في فعل الواجب و ترك المحرم فقط, بل عليه أن يتجاوز ذلك إلى فعل المستحب و ترك المكروه.
إن الأحكام الشرعية لا تنحصر في واجب و محرم فقط, بل هي خمسة : الوجوب، والندب، والتحريم، والكراهة، والإباحة.
إن المستحب هو ما رَغَّبَ الشارعُ الناسَ باتيانه ، فيثاب الإنسان اذا ما أتى به ، لكن لا يعاقب لو تركه, ولكن الإنسان يخسر شيئا كثيرا من الكمالات الروحية إذا لم يهتم بالمستحبات.
و المكروه هو كل عمل رَغَّبَ الشارعُ الناسَ في تركه فَوَعَدَ بالثواب لتركه ، لكن لم يتوعَّد بالعقاب على فعله, ولكن الإنسان قد يخسر بعض الكمالات الروحية, في حال تكراره لفعل المكروه.
إن أشهر رجب و شعبان و رمضان ملأى بكثير من المستحبات, التي لو اجتهد الإنسان في أدائها فإنه سيصل إلى مراتب عالية من التكامل الروحي, وهذا يؤهله لأن يحصل على مزيد من فيوضات الله سبحانه وتعالى.
كل عمل مستحب يفعله الإنسان بصدق و إخلاص , يرفع من درجات التكامل الروحي لديه, ويعمل على تصفية روحه مما يعلق بها من شوائب, تحرمها من الحصول على ألطاف الله سبحانه وتعالى.
هناك بعض الأعمال في هذه الشهر الثلاثة لم يثبت استحباب الإتيان بها, وفي هذه الحال, فإنه يمكن للإنسان أن يأتي بها برجاء المطلوبية قربة لله تعالى إذا أنها قد تكون مطلوبة فعلا, لكن سند الرواية التي تحدثت عنها كان ضعيفا, وهذا لا ينفي احتمالية صدورها عن المعصوم.
المقصود بالإتيان بالعمل برجاء المطلوبية أن العمل برجاء كونه محبوبا لله ، و هذا انما يكون فيما لم يقم على العمل دليل معتبر فيمكن للمكلف ان ياتي به برجاء المطلوبية حتى يثاب عليه ، و لا يجوز ان ياتي بالعمل حال كونه مسندا الى الله مع فرض عدم قيام حجة معتبرة عنده على المحبوبية . مثلا اذا سمع ان صلاة ليلة الرغائب مستحبة و في أدائها ثواب عظيم و لكن لم يقم على ذلك دليل و حجة فيمكنه ان ياتي بها على أمل كونها مستحبا و فيها ثواب ، و الله سبحانه وتعالى يعطيه على أمله و نيته .
مدوامة الإنسان على الاستغفار وقراءة التوحيد هي ذكر لله تعالى, وكلما كان الإنسان أكثر ذكرًا لله سبحانه وتعالى , كان أقرب إليه الله تعالى,كما عبر القفرآن الكريم : { فَاذْكُرُونِي أَذكُركُمْ } سورة البقرة/ 152.
قال الله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذينَ أَمنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيًرً } - سورة الأحزاب/ 41
دعت هذه الآية الشريفة إلى ذكر الله بلا حد ولا قيد, ذلك لأن الذكر خير على كل حال، فالذاكر لله تعالى لا مجال لإبليس إليه.
إن مجال العبادة المتنوع من صلاة وصوم و دعاء و استغفار و قراءة قرآن في هذه الأشهر الثلاثة هو من معاني ذكر الله سبحانه وتعالى, ولذا نجد برامج يومية و أسبوعية, نهارية وليلية في هذه الأشهر لتكثيف الذكر, الذي يؤدي في النهاية إلى حصول الإنسان على مزيد من الكمالات الروحية.
نحن بشر, ونحن عرضة للتراجع إلى الوراء, بسبب الميل نحو الشهوات واللذائذ.
نحن بحاجة ماسة إلى رصيد قوي يزودنا بالصبر, ويقوي من أنفسنا إزاء إغراءات الشهوات, كي نصل إلى مراتب أعلى و أعلى و أعلى من الكمالات الروحية.
إن مداومتنا على الذكر تنتشلنا من سبات الغفلة, وتدفعنا نحو الأمام وتعمق من درجة قربنا من الله سبحانه وتعالى.
إن الحاجة إلى المستحبات كبيرة جدا, ولا ينبغي أن يحصر الإنسان نشاطه العبادي في فعل الواجب و ترك الحرام فقط.
إن هذا البرنامج العبادي المكثف خلال هذه الأشهر الثلاثة - رجب و شعبان و رمضان - هو بناء إلهي متقن يهدف إلى علاج النفس من الأمراض التي تعتريها بسبب غفلتها عن حضور الله سبحانه وتعالى.
عندما يغفل الإنسان فإن خط عودته إلى الله تعالى قريب جدا,كما ورد عن الإمام السجاد عليه السلام :
" وَاَنَّ الِراحِلَ اِلَيْكَ قَريبُ الْمَسافَةِ، وَاَنَّكَ لا تَحْتَجِبُ عَنْ خَلْقِكَ إلاّ اَنْ تَحْجُبَهُمُ الاْعمالُ دُونَكَ .. "
إننا غافلون عنهسبحانه وتعالى, وما علينا إلاّ الالتفات إليه عزّ وجلّ لنكون قريبين منه, فهو أقرب إلينا من حبل الوريد.
كي يصل الإنسان إلى الله, فإنه بحاجة إلى ما يعبر عنه بزاد الراحل, وهذا الزاد يعتمد وجوده على قوة إرادة الشخص على أداء العمل العبادي.
كما عبر عن ذلك الإمام السجاد عليه السلام :
" و قد علمت أن أفضل زاد الراحل إليك عزم إرادة و قد ناجاك بعزم الإرادة قلبي .. "
لقد بين القرآن أن التقوى هي خير زاد :
{ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } - سورة البقرة/ 197
إن حرص الإنسان على الاستغفار اليومي و مداومته على الدعاء والأذكار , يقوي من شعوره بحضور الله سبحانه وتعالى, وهذا يقوي جانب التقوى لديه, و إذا قوي جانب التقوى لدى الإنسان, كان أكثر استعدادا لتلقي الفيوضات الإلهية, التي ترفعه أكثر و أكثر في عالم التكامل الروحي.
قال آية الله السيد كمال الحيدري - حفظه الله تعالى - في أحد أبحاثه :
" وعلى كل حال فإن (الإنسان الشرعي هو الذي ينظم سلوكه وفق ما يتطلبه الشرع وللشرع هنا مراتب متعددة.
فمرة لا يعمل الإنسان بواجب ولا ينتهي عن محرم، وهذا هو الإنسان غير الشرعي.
ومرة يعمل بالواجبات ولا ينتهي عن المحرمات، حيث تناصف الشرعي واللاشرعي سلوكه.
وأُخرى يعمل بالواجبات ويترك بعض المحرمات دون الآخر.
ومرة يعمل بالواجبات ويترك المحرمات ولكنه يترك المستحبات ويرتكب المكروهات، ولمثل هذا الإنسان ظاهر منطبق على الشرع، وأكثرُنا عليه.
ثم قد يعمل الإنسان الواجبات ويترك المحرمات ويعمل المهم من المستحبات ، وحينئذ يكون سلوكه أكثر انطباقاً من سابقه على الشرع.
وهنا درجة أعلى من سابقتها وهي أن يعمل بالواجبات ويترك المحرمات ويفعل المستحبات ويترك المكروهات.
ثم يترقى الإنسان ليصل إلى الدرجة التي يعمل بها الواجبات وينتهي عن المحرمات ولا يترك مستحبًا ولا يفعل مكروهًا، بل لا يفعل مباحاً أيضًا، وذلك بأن يجعل كل عمل مباح عملاً مستحبًا من خلال الإتيان به بنية القربة إلى الله تعالى.
وأن هذا السير لا حدّ له لأن الكمالات التي يتطلع إليها الإنسان لا حدّ لها، وأن مراتبه تبدأ من هذه النشأة وهي نشأة النقص إلى أن تصل إلى مرتبة (قَابَ قَوْسَينِ أَوْ أَدْنَى)، وهذا ما عبرت عنه رواية الثقلين، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما"7 إذ إن أحد طرفي الحبل بيد العبد فهو في صعود دائم، وكلما صعد المزيد، وفي طرفه الآخر أكرم الكرماء الذي لا تزيده كثرة العطاء إلاّ جوداً وكرمًا، وهكذا تستمر المسيرة باتجاه الكمال المطلق اللامتناهي."
يُتبع :
|
|
|