رد: الطريق إلى معرفة عظمة الزهراء ؟
* عظمة أهل البيت محمّديّة
في هذه المرتبة المحمّديّة، وفي قلب هذه العظمة الإلهيّة -أي التي أعطاها الله تعالى لسيّد النبيّين وسيّد الخلق أجمعين- يقع التسلسل الطبيعيّ للسؤال عن عظمة الصدِّيقة الكبرى، وعظمة أهل البيت جميعاً عليهم أفضل الصلاة وأتمّ التسليم.
ذلك هو أوضح معاني إجماع الأمّة على وِرد المحمّديّين عبر القرون «أللّهمّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد»، الذي ثبت أنّه الصيغة الشرعيّة التي يجب أن يُصلّى بها على النبيّ الأعظم وآله صلّى الله عليه وآله، ولا يصحّ الفصل بينه وبينهم حتّى بكلمة «على»، أي لا يصحّ أن نقول: أللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد.
* وحدة الحقيقة المحمّديّة
والمُراد بوحدة الحقيقة المحمّديّة، أنّ نور رسول الله صلّى الله عليه وآله الذي هو النور الأوّل، هو أصل أنوار التجلّيات المحمّدية الثلاثة عشر؛ الصدّيقة الكبرى، والأئمّة الاثني عشر عليهم الصلاة والسلام، وقد ثبت للأنوار الثلاثة عشر كلّ ما ثبت للنور الأوّل صلّى الله عليه وآله ما عدا النبوّة، وهذا من معاني أنّهم منه وهو منهم، على الرغم من أنّه صلّى الله عليه وآله سيّدهم وسيّد الأنبياء والخلق أجمعين.
وحدة الحقيقة المحمّديّة أصلٌ ثابت وركنٌ في الاعتقاد ركين، وفي سياق تثبيته كان الحديث عن وحدة هذه الحقيقة في عالَمَيْن:
الأوّل: عالم ما قبل خلْق الخلق، حيث كانوا أنواراً مُحدقة بالعرش. في الزيارة الجامعة، التي يتّفق العلماء على قوّة سندها: «خلقكم الله أنواراً، فجعلكم بعرشه مُحدقين».
الثاني: عالم الوجود والخلق، وهو ينقسم إلى ثلاث مراحل:
الأولى: مرحلة بدء الخلق، حين قال الله تعالى لآدم: «ولولاهم ما خلقتك»، كما يؤكّد العلماء، وفي مقدّمهم الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
الثانية: مرحلة القرار الإلهيّ بنزول آدم عليه السلام في هذه الأرض، حيث قضت مشيئة الله سبحانه أن يقترن نزول النبيّ آدم عليه السلام بالهدى الإلهيّ: ﴿قلنا اهبطوا منها جميعاً فإمّا يأتينَكم منّي هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ البقرة:38، وقضت مشيئته سبحانه أن يكون النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله، وتجلّيات الحقيقة المحمّديّة؛ «أهل البيت» عليهم السلام، روَّاد هذا الهدى الإلهيّ وقادته وسادته. لذلك لم يُبعث نبيّ إلّا بالاعتقاد بسيّد النبيّين وآله، صلّى الله عليه وعليهم.
الثالثة: مرحلة وجودهم بين الناس في هذا العالم، أي مرحلة ولادة رسول الله صلّى الله عليه وآله وبعثته. في الزيارة الجامعة: «حتى مَنَّ علينا بكم، فجعلكم في بيوت أذِن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمُه». وفي سياق ذلك كانت آية التطهير وآية المباهلة، وكلّ الآيات الكريمة، والروايات الكثيرة المُجمع عليها بين المسلمين عن سيّد النبيّين حول أنّ أهل البيت منه وهو صلّى الله عليه وآله منهم عليهم السلام، وأنّهم روحه ونفسه ومهجته، والشَّجّنَة والبَضْعَة. من آذاهم فقد آذاه، ومن قطعهم فقد قطعه، ومن وصلهم فقد وصله، ومن سَرَّهم فقد سرَّه، وأنّهم خُزّان العلم ومصابيح الهدى وسفينة النجاة. بهم ينزِّل الله الغيث، ويُمسك السماء أن تقع على الأرض.
* عظمة الصدِّيقة الكبرى الزهراء عليها السلام
بعد أن يتدرّج التفكير والاستدلال من عظمة الإنسان إلى عظمة سيّد المعصومين، وسرّ الخلق، ونور الهدى الإلهي، نور الله في ظلمات الأرض والبرزخ والقيامة، النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله، وإدراك أنّ البحث عن عظمة الصدّيقة الكبرى الزهراء عليها السلام يجب أن يكون في قلب البحث عن عظمة رسول الله صلّى الله عليه وآله، يصبح ممكناً لكلّ شخص أن يعرف ما هو مؤهّل له من مدارج العظمة المحمّديّة الإلهيّة في قدس غيب مَن «يرضى الله لرضاها»!
ولا بدّ من تنبُّه القلب في خطّ العقل إلى أنّ معرفة عظمة الزهراء هي غير معرفتها عليها السلام، إذ إنّ معرفة العظمة تجتمع مع العجز عن المعرفة الحقيقيّة أو التفصيليّة.
وكيف يمكن الإحاطة المعرفيّة بِمَن «فُطم الناس عن معرفتها»؟!
يعني ما تقدّم أمرين:
الأوّل: أنّنا لا يمكن أن نعرف عن الصدِّيقة الكبرى عليها السلام، إلّا ما عرّفنا الله تعالى ورسوله وأهل البيت عليهم السلام.
الثاني: أنَّ التدبّر في ما عرّفه الله تعالى ونبيّه وأهل البيت صلّى الله عليه وعليهم، يتوقّف على كسر «أقفال القلوب» التي تحُول دون هذا التدبّر، ويتوقّف البدء بكسر هذه «الأقفال» على الاعتراف بالعجز عن معرفتها عليها صلوات الرحمن.
هكذا يمكننا أن نفهم لماذا قال الإمام الخمينيّ: «بالنسبة إلى الصدِّيقة الكبرى، أرى نفسي قاصراً حتى عن مجرّد التلفّظ باسمها عليها السلام».
* لا يُمكن معرفة مقامات النبيّ وأهل البيت وسائر الأنبياء
من بديهيّات التوحيد، النهي عن التفكّر في ذات الله تعالى وكُنهه سبحانه «عجزت العقول عن معرفته».
ومن بديهيّات المعرفة بأهل البيت عليهم السلام، أن يقف المسلم عند قول رسول الله أو يحفظه: «يا عليّ، ما عرف الله إلّا أنا وأنت، وما عرفني إلّا الله وأنت، وما عرفك إلّا الله وأنا».
بناءً عليه، لا غرابة في القول بعدم إمكان معرفة «من فُطم الخلق عن معرفتها»، بل الغرابة في أن يبيح كلُّ شخص لنفسه أن يكوِّن صورة من عنديّاته عن الزهراء عليها السلام، ويتصوّر أنّه بلغ الغاية، وأبرأ ذمّته، وسلمتْ له عقيدته.
__________________
~
|