رد: فضل الزهراء (عليها السلام)
وعمدوا إلى ما كان على الخوان فآتوه (21) وباتوا جياعاً، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شيء.
قال شعيب في حديثه: وأقبل عليٌّ بالحسن والحسين (عليهما السلام) نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهما يرتعشان كالفراخ من شدّة الجوع، فلمّا بصر بهم النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: يا أبا الحسن شدّ ما يسوؤني ما أرى بكم، انطلق إلى ابنتي فاطمة.
فانطلقوا إليها (عليها السلام) وهي في محرابها، قد لصق بطنها بظهرها من شدّة الجوع وغارت عيناها(22)، فلمّا رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضمّها إليه وقال: واغوثاه بالله، أنتم منذ ثلاث فيما أرى.
فهبط جبرائيل فقال: يا محمّد خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك.
قال: وما آخذ يا جبرائيل؟.
قال: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ) حتّى إذا بلغ (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَّشْكُوراً) (23).
فوثب النبيّ (صلى الله عليه وآله) حتّى دخل منزل فاطمة (عليها السلام) فرأى ما بهم فجمعهم ثمّ انكب عليهم يبكي ويقول: أنتم منذ ثلاث فيما أرى..
فهبط عليه جبرائيل بهذه الآيات:
(إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأَسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً* عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفجِيراً). قال: هي عين في دار النبيّ(صلى الله عليه وآله) يفجّر إلى دور الأنبياء والمؤمنين.
(يُوفُون بِالنَّذْرِ) يعني عليّاً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وجاريتهم.
(وَيَخَافُونَ يَوْمَاً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) يقولون عابساً كلوحاً (24).
(وَيُطْعِمُونَ الطْعَامَ عَلَى حُبِّهِ) يقول: على شهوتهم للطعام وإيثارهم له.
(مِسْكِيناً) من مساكين المسلمين،(وَيَتِيماً) من يتامى المسلمين،(وَأَسِيراً) من أسارى المشركين.
ويقولون إذا أطعموهم: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءٌ وَلاَ شُكُوراً) قال: والله ما قالوا هذا لهم ولكنّهم أضمروه في أنفسهم فأخبر الله بإضمارهم، يقولون: لا نريد جزاءً تكلِّفوننا(25) به ولا شكوراً تثنون علينا به، ولكنا إنّما أطعمناكم لوجه الله وطلب ثوابه.
قال الله (تعالى ذكره): (فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً) في الوجوه (وَسُرُوراً) في القلوب (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً) يسكنونها (وَحَرِيراً) يفرشونه ويلبسونه(مُتَّكِئينَ فِيهَا عَلَى الآرَائِكِ) والأريكة: السرير عليه الحجلة (لاَيَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَزَمْهَرِيراً) (26).
قال ابن عبّاس: فبينا أهل الجنّة في الجنّة إذ رأوا مثل الشمس قد أشرقت لها الجنان، فيقول أهل الجنّة: يا ربّ إنّك قلت في كتابك: (لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً)؟
فيرسل الله جلّ اسمه إليهم جبرئيل فيقول: ليس هذه بشمس ولكنّ علياً وفاطمة ضحكا فأشرقت الجنان من نور ضحكهما، ونزلت (هَلْ أَتَى) فيهم إلى قوله تعالى: (وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَّشْكُوراً) (27).
سورة الكوثر
كما نزلت فيها (عليها السلام) سورة (الكوثر):
قال تعالى: ( بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيْمِ * إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ) (28).
فقد صرح العديد من المفسرين بأن (الكوثر) يراد به فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام)(29).
وهناك تفاسير أخرى ولا مانع من الجمع، فان الآيات القرآنية كالشمس ـ حسب المروي عن الإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام) ـ تنطبق في كل يوم منذ نزولها إلى يوم القيامة على مختلف الأفراد بحسب أعمالهم، نعم هناك من تنطبق عليه الآيات انطباقاً كفرد أفضل، وهناك من تنطبق عليه كفرد متوسط أو كفرد في أول الطريق..
مثلاً: (المؤمن) الوارد في القرآن الحكيم ينطبق على سلمان(رحمة الله عليه) كفرد ثان، وينطبق على المعصومين (عليهم السلام) كفرد أول، وينطبق على المؤمن العادي كفرد ثالث، إلى غير ذلك من الأمثلة.
آية التطهير
وكذلك نزلت في شأن فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) وأبيها وبعلها وبنيها (صلوات الله عليهم أجمعين) آية التطهير، قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (30).
فهم (عليهم السلام) أطهار ذاتاً، لا لأنهم لا يقتربون المعاصي أو لا يفكرون فيها فحسب، بل لأن طينتهم طاهرة، فلا يقترفون معصية كبيرة ولاصغيرة، ولا يفعلون مكروها، بل كل ما يفعلونه أو يتركونه من قول أو فعل أو تقرير يكون برضاية الله سبحانه، وفي سبيله عزوجل، وفي سبيل أفضل طاعاته تعالى.
وقد صرح الفريقان بنزول آية التطهير فيهم (عليهم السلام) ، قال الفيروز آبادي: عن الطحاوي الحنفي في كتاب (مشكل الآثار) بسنده عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام): (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (31).
وأورد أيضاً عن (أبي داود الطيالسي) في مسنده بإسناده عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه (صلى الله عليه وآله) كان يمرّ على باب فاطمة شهراً قبل صلاة الصبح فيقول: الصلاة يا أهل البيت (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) (32).
آية المباهلة
ونزلت فيها (عليها السلام) وفي أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي أمير المؤمنين علي والحسن والحسين (عليهم السلام) آية المباهلة، قال تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (33).
فقد اجمع المؤرخون والمفسرون وأصحاب الحديث(34) ـ إلا من شذّ ـ وتواترت الروايات على أن المراد من (نسائنا) فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام)..
فان الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يذهب مع امرأة إلى المباهلة إلا مع ابنته فاطمة (عليها الصلاة والسلام)، مع العلم انه كانت هنالك نساء مؤمنات من زوجات الرسول (صلى الله عليه وآله) مضافاً إلى أقربائه وصحابياته وسائر النساء المؤمنات، ومن الواضح أن المباهلة جهاد معنوي كبير.
وقد ورد في تفسير هذه الآية:
عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنّ نصارى نجران لمّا وفدوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان سيّدهم الأهتم والعاقب والسيد، وحضرت صلاتهم فاقبلوا يضربون بالناقوس وصلّوا.
فقال أصحاب رسول الله: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا في مسجدك؟.
فقال(صلى الله عليه وآله): دعوهم.
فلمّا فرغوا دنوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: إلى ما تدعون؟.
فقال(صلى الله عليه وآله): إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنّ عيسى (عليه السلام) عبد مخلوق يأكل ويشرب ويُحدث.
قالوا: فمن أبوه؟.
فنزل الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: قل لهم: ما تقول في آدم؟. أكان عبداً مخلوقاً يأكل ويشرب وينكح؟.
فسألهم النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا: نعم.
فقال: فمن أبوه؟.
فبهتوا.. فبقوا ساكتين.
فأنزل الله: (إنّ مَثَلَ عيسى عندَ الله كَمَثَلِ آَدَمَ) الآية إلى قوله: (فَنَجعَل لَّعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبينَ) (35).
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فباهلوني، فإن كنت صادقاً أُنزلت اللعنة عليكم، وإن كنت كاذباً نزلت عليَّ.
فقالوا: أنصفت..
فتواعدوا للمباهلة، فلمّا رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم: السيّد والعاقب والأهتم، إن باهَلَنا بقومه باهلناه، فإنّه ليس بنبيّ، وإن باهلنا بأهل بيته خاصّة فلا نباهله فإنّه لا يقدم على أهل بيته إلاّ وهو صادق.
فلمّا أصبحوا جاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين(عليهما السلام) فقال النصارى: من هؤلاء؟.
فقيل لهم: هذا ابن عمّه ووصيّه وختنه عليّ بن أبي طالب، وهذه بنته فاطمة، وهذان ابناه الحسن والحسين.
فعرفوا وقالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله): نعطيك الرضا فاعفنا عن المباهلة..
فصالحهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الجزية وانصرفوا (36).
__________________
بسم الله الرحمن الرحيم {{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }}
توكلت عليك ياربي وانت اعلم بحالي
|