بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
مقدمة
نصادف في حياتنا من يستفسر أو يتساءل :
ماهية الدين ؟؟ ما مدى الحاجة إليه ، وجدوى الانتماء له أو الالتزام به ...
في عصر بلغ الانسآن مرحلة من النضج والوعي والمعرفة ، قد يؤهله لأن يستغني
عنه ، وينطلق ليبني عقآئده ويخطط حيآته ، وفق ما يرشده إليه عقله وانفتاحه ، وما
تمليه عليه وثقافته ومعرفته ...
ولمثل هذه التساؤلات وغيرها ، كان لابد من دراسة موضوعية لقضية الدين ،
وأهميته وضرورته لتثبيت النظام، واستقرار الحياة .
[1]
ماهية الدين:
" الدين مجموعة من العقائد والمفاهيم والأحكام ، والأخلاق .... التي شرعها الله للناس
، لتنتظم بها دنياهم ، وتصلح على ضوئها آخرتهم "
- العقائد : تمثل الأساس لإيمان الانسان ، التي ينبغي التوصل إليها بالفكر ، والبحث ، والبرهان ، حيث لا يجوز فيها التقليد والمحاكاة .
وتندرج تحت اسم العقائد الأصول الخمسة : التوحيد ، العدل ، النبوة ، الإمامة ، المعاد ..
- المفاهيم : تمثل مواقف الانسان من القضايا الحياتية المطروحة ، فتتحدد بها رؤيته ،
وتنفعل لها أحاسيسه ، ليجسدها - بعد ذلك - واقعاً متحركاًفي سلوكه ، وممارساته:
مثل : موقف الدين من العلم ، والعمل ، والجنس ، والمرأة ..
- الأحكام : تمثل نظام الحياة للإنسان ، فهي توثق علاقته بربه وبمجتمعه ، وتنظم له حياته العامة والخاصة من جميع جوانبها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وفي المصطلح الفقهي ، يندرج إسم الأحكام بـ:
" العبادات والمعاملات "
- الأخلاق : تمثل القواعد والآداب التي تبني العلاقات السليمة بين الأفراد على أساس المحبة والثقة والاحترام .
[2]
الأنبيآء (ع) والدين:
يقول الله تبارك وتعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً ، أن اعبدوا الله ، واجتنبوا الطاغوت ...}
فالأنبيآء (ع) واكبوا البشرية منذ فجر التاريخ ، من عهد آدم (ع) وحتى عهد النبي
محمد (ص) خاتم الأنبياء فلم يخل عصر ومكان نبي أو رسول يبشر بتعاليم اله
ويدعوا إلى أحكامه ، كي لا يكون للناس على الله حجة يوم القيامة ، حين يقف جميع الخلق للحساب .
وفي طريقهم إلى الله بذل الأنبياء كل طاقاتهم وامكاناتهم من أجل قول الحق ، وتجسيد
حكم الله ، والعمل على ضمان استمراريته في الحيآة ..
وفي مسيرتهم الرسالية ، جاهدوا ، وصبروا ، وضحوا ، وتعرضوا لكل ألوان
السخرية والأذى والتشريد والنفي والقتل ، فزرعت في دروبهم الأشواك ، وحفرت
الخنادق .. ولكنهم بإيمانهم الراسخ ، وثباتهم العظيم ، وتفانيهم المخلص ،
تابعوا الطريق ، وواصلوا المسيرة حتى أثمرت جهودهم : عقائد ومفاهيم وأحكاماً لاتزال
راسخة في النفوس ، ومتأصلة في الضمائر ، رغم حملات التشكيك والتضليل
والتشويه التي تمارس من قوى الكفر والالحاد المختلفة .
وتبرز أصالة التدين التي كرستها جهود الأنبياء (ع) ، من خلال الإصرار الدائم
المستمر على طرح قضية الدين وضرورته في كل ميدان فكري أو اجتماعي ، إذ
لايزال الشغل الشاغل لكافة الناس عامتهم وخاصتهم .
فالمفكرون ، على اختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم ، يجعلون بحث أمر الخالق والموت
والآخرة من الأولويات التي ينبغي التطرق إليها وجمهور الناس يشعرون بأن الالتزام
بأهداب الدين ضرورة تضمن لهم استقرارهم في الحيآة ، وسعادتهم في الآخرة ..
[3]
الحاجة إلى الدين :
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن :
- لماذا الاهتمام الكبير بأمر الدين ..؟؟
- وهل الانسانية بحاجة إليه حتى يحتل هذا القدر من الاهتمام والبحث ..؟؟
الدين حاجة لا غنى عنها ، وإن أظهر بعضهم غير ذلك . وهو ضرورة حياتية لا
مناص منها ، وإن تغافل تعضهم عن ذلك ، إنه حاجة فطرية ونفسية وضرورة فكرية
واجتماعية ، لأنه يؤمن الراحة والاستقرار والطمأنينة ، ويشيع المحبة والعدالة
والمساواة ..

(أ) الحاجة الفطرية : الانسان بفطرته ووجدانه يعيش التدين ، إذ يجد نفسه مدفوعاً
بطريق لا شعوري إلى التعلق بقوة مطلقة عليا ، وخاصة في الأزمات والشدائد ،
والانسان - بفعل عوامل مادية وخارجية - قد يغفل عن نداء الفطرة لديه ، فيتبنى
مواقف رافضة أو لا مبالية من الخالق والدين ، ولكنه في أغلب الأحيان يتخلى عنها
حين يتعرض للشدائد وللأزمات وللصدمات العنيفة ، التي تعجز وسائل الإنسان عن
معالجتها ، فيلجأ إلى الله بعفوية واندفاع ، وهذا ماعبر عنه القرآن الكريم :
{ وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ، ثم إذا أذاقهم منه رحمة ، إذا فريق منهم بربهم يشركون } سورة الروم / 33
والكثير من الآيات القرآنية ..
(ب) الحاجة الفكرية : ومنذ درج الانسان على وجه الأرض ، وبدأ يعي ذاته ووجوده
، تطلع إلى السماء ومافيها من نجوم وكواكب ، وتأمل الأرض وما عليها من
موجودات وكائنات حية فارتسمت أمامه أسئلة كثيرة :
كيف بدأ الكون ؟ ... ومن الذي أودع فيه النظآم ؟
ولاحظ الانسان وهو يخوض غمار الحيآة ، أن فيها آخرين مثله يموتون ، وآخرين
أيضاً يولدون ، فحاول أن يغيّر من سنة الحيآة ويتشبث بالبقاء ، فلم يفلح ، فتسآءل :
لماذا الحيآة ؟؟ .... وإلى أين المصير ؟ ....
علامات الاستفهام هذه ، تفاعلت في نفسه ، فحار أمامها ، وانطلق يبحث عن قناعات
ترضي عقله ، وتستقر لها روحه ، ليحدد بها مساره ، لأن الجواب الشافي يمكن أن
ينقذه من الضياع والضلال ، ويخلصه من القلق والاضطراب .
وفي رحلته الفكرية هذه توزّع بحسب أجوائه فكان بين مؤيد لما جاءت به الشرائع
السماوية ومعارض لها :
1. فالمؤيد انطلق من الايمان بالله القدير خالقا ومنظماً للكون ، ومن مبدأ أن سعادة
ورفاهية الانسان تتحققان بالالتزام بخط الله وشريعته ، كما أن شقاءه وضياعه ينبثق
من التمرد على تعاليم وأحكام الله: { من كفر فعليه كفره ، ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون } الروم / 44
وبهذا الموقف المؤيد الثابت ، أصبح أمام الانسان تفسير سليم للوجود والحيآة والموت
، وقطع عن نفسه جذور الشك والقلق ، والخوف من الضياع والفناء ، فأصبح للحياة
عند هدف ومعنى ، ورأى الموت استمراراً لهذه الحيآة ، فإن كآن خيرا فآخرته خيرا ،
وإن كان شرا فآخرته شرا : { فمن يعمل مثقال ذرة خير يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شر يره } الزلزلة /7 ،8
2. أما المعارض : فينطلق من النظر إلى الحيآة من داخل ، فأنكر وجود الخالق ،
وقطع أية صلة بعالم الغيب ، وحكم على نفسه بالفناء الأبدي ..
وبهذا التفسير تحولت الحيآة عنده إلى ساحة للعبث والصراع ، تتحكم فيها الأنانية ، وتمارس بها شتى ألوان المتع واللذات ،... الحياة فرصة لا أمل بعدها ، ولا آخرة ، ولا مسؤولية ، ولا ثواب ولا عقاب ... والإنسان شأنه فيها شأن نبات الأرض وديدان الكهوف { إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ومانحن بمبعوثين } المؤمنون/37
وإن كانت هي الحيآة الدنيا ، فأي معنى نبيل لها ؟ ... ولماذا لا يمارس الانسان فيها كل ما يحلو له ويطيب ، حتى لو كان ذلك على حساب شقاء الآخرين ؟ ...
إن هؤلاء يعبر عنهم القرآن الكريم بـ { الأخسرين أعمالاً ، الذين ضل سعيهم في الحيآة الدنيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً }الكهف /102-103
فلقد طغت على بصيرتهم الأجواء المادية ، فحجبت عنهم نور الحقيقة ، وأبطلت عمل الفطرة والوجدان :{ كلا بل ران على قلوبهم } المطففين / 14

(ج) الحاجة النفسية : أمام المستقبل الغامض ، مستقبل ما بعد الموت ، وقف الانسآن في حيرة و قلق وذهول . حاول أن يخلد لتبقى الحيآة ، ولكن دون جدوى ،... فالقبر ينتظره ، وشبح الموت له بالمرصاد ... وهناك ماذا سيحدث ؟
علامات الاستفهام ترتسم باستمرار في ذهنه ، وبشكل شعوري ولا شعوري .. إنها تلاحقه في كل خطواته ومواقفه ... فتقض مضجعه ، وتنغص عليه حياته الفارهه التي يعيشها ، فإلى أين المفر ؟ ... هل يرتوي من ملذات الحياة ما وسعه ذلك ..؟
وإذا تسنى له ، ماذا بعد ؟ .... وما الهدف ؟
إن هذا الضياع وهذه الحيرة هما اللذان دفعا بآلاف الشباب للهرب من جحيم الحيآة المادية المترفة ، إلى تعاطي المخدرات والمسكرات ، لتنسيهم - ولو مرحلياً - واقعهم المأساوي المتوتر . وهي التي جعلت الملايين من بني البشر ، يعانون من داء التوتر العصبي ، والمرض النفسي ، بحيث لا يستطيعون الركون للنوم إلا بالأقراص المهدئة والمنومة ..
فما السر في ذلك مع العلم ان بيئات بعض هؤلاء تملك من وسائل الرفاهية ، فلماذا هذا الاحساس بالتعاسة والشقاء ؟..
لعل السر في معظمه يكمن في الفراغ النفسي ، والخواء الروحي في نفس الانسان ، فهو بفطرته يبحث عن حقيقة مجهولة ، وسعادة لا فناء لها ، فإذا ما طغت عليه الأجواء المادية وحالت دون الاهتداء إليها ، عاش حياة القلق والتوتر ، إذ مامن شيء مادي في الحياة يمكن أن يعيد له توازنه واستقراره ، بل قد يريد من تشنجه وعصبيته ، حتى يدفع ببعض الضعفاء إلى الإنتقام أو اليأس ، فالانتحار ...
يقول ألكسيس كاريل (عالم غربي - صاحب كتاب الانسان ذلك المجهول ):
" في عقيدتي أن الشعور الديني ينبع من أعماق الفطرة ، ويشكل غريزة أصيلة ونزوعاً أصيلاً في نفس الإنسان ... وكما يحتاج الإنسان إلى الماء والهواء ، وكذلك يحتاج إلى الله ..."
المصدر كتاب ( الاسلام رسالتنا - المرحلة الثانوية - ص 9-19)
إعداد :هيئة التأليف في جمعية التعليم الاسلامي << لا تنسون الدعاء لهم 
والآن
..
هل تملكين الاجابة عن ماهو الدين وأهميته لدى الإنسان ..؟
"إبتسم فالله ربك
"
تحيآتي ..
النورآء