قال: فقلت لها: يرحمك الله ما تصنعين في هذا المكان ؟
قالت: "ومن يضلل الله فما له من هاد"
فعلمت أنها ضالة عن الطريق
فقلت لها: أين تريدين؟
قالت: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من
المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى"
فعلمت أنها قد قضت حجها
وهي تريد بيت المقدس
فقلت لها: أنت منذ كم في هذا الموضع?
قالت: "ثلاث ليال سويا"
فقلت: ما أرى معك طعاما تأكلين
قالت: "هو يطعمني ويسقين"
فقلت: فبأي شيء تتوضئين
قالت: "فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا"
فقلت لها: إن معي طعاما فهل لك في الأكل؟
قالت: "ثم أتموا الصيام إلى الليل"
فقلت: ليس هذا شهر رمضان
قالت: "ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم "
فقلت: قد أبيح لنا الإفطار في السفر
قالت: "وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون "
فقلت: لم لا تكلميني مثل ما أكلمك؟
قالت: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"
فقلت: فمن أي الناس أنت؟
قالت:" ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر
والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا "
فقلت: قد أخطأت فاجعليني في حل
قالت: "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم"
فقلت: فهل لك أن أحملك على ناقتي هذه
فتدركي القافلة؟
قالت: "وما تفعلوا من خير يعلمه الله"
قال فأنحت ناقتي
قالت: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم "
فغضضت بصري عنها
وقلت لها:
اركبي. فلما أرادت أن تركب نفرت الناقة فمزقت ثيابها
فقالت: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم "
فقلت لها: اصبري حتى أعقلها
قالت: "ففهمناها سليمان"
فعقلت الناقة
وقلت لها: اركبي فلما ركبت
قالت: "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا
له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون "
قال: فأخذتُ بزمام الناقة وجعلت أسعى وأصيح
فقالت: "واقصد في مشيك واغضض من صوتك "
فجعلتُ أمشي رويدا رويدا وأترنمُ بالشعر
فقالت: " فاقرؤوا ما تيسر من القرآن"
فقلت لها: لقد أوتيت خيرا كثيرا
قالت: "وما يذكر إلا أولو الألباب"
فلما مشيت بها قليلا
قلت: ألك زوج؟
قالت: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء
إن تبد لكم تسؤكم"
فسكت ولم أكلمها حتى أدركت بها القافلة
فقلت لها: هذه القافلة فمن لك فيها؟
فقالت: "المال والبنون زينة الحياة والدنيا"
فعلمت أن لها أولادا
فقلت: وما شأنهم في الحج ؟
قالت: "وعلامات وبالنجم هم يهتدون"
فعلمت أنهم أدلاء الركب فقصدت بها القباب
والعمارات
فقلت: هذه القباب فمن لك فيها؟
قالت: "واتخذ الله إبراهيم خليلا "
"وكلم الله موسى تكليما" "يا يحيى خذ الكتاب بقوة"
فناديت يا إبراهيم! يا موسى ! يا يحيى!
فإذا أنا بشبان كأنهم الأقمار قد أقبلوا،
فلما استقر بهم الجلوس
قالت: " فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة
فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه"
فمضى أحدهم فاشترى طعاما فقدموه بين يدي
فقالت: " كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم
في الأيام الخالية "
فقلت: الآن طعامكم علي حرام حتى تخبروني بأمرها.
فقالوا:
هذه أمنا لها منذ أربعين سنة لم تتكلم إلا بالقرآن
مخافة أن تزل فيسخط عليها الرحمن.
فسبحان القادر على ما يشاء.
فقالت: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
والله
ذو الفضل العظيم"


