رد: حجج واهية للمتبرِّجات والرد عليها
الحُجَّة الخامسة : من تدَّعي أن التبرُّج أمر عادي لا يلفت النظر :
كيف يكون التبرج أمراً عادياً ونحن نرى أن الأزواج - على سبيل المثال - تزداد رغبتهم في
زوجاتهم كلما تزيَّنَّ وتجمَّلن ، كما تزداد الشهوة إلى الطعام كلما كان منسقاً ، متنوعاً ،
جميلاً في ترتيبه ، حتى ولو لم يكن لذيذ الطعم ؟ ولو كان التزيُّن أمراً عادياً لما تنافس
الناس في تزيين البيوت وزخرفتها وفرشها بأفخر المفروشات ، وكل ذلك لتتمتَّع أنظارهم .
ولما تكبَّد الناس مشاقَّ السفر ، وتكاليفه الباهظة في الرحلات إلى مختلف بلاد العالم ،
وكل ذلك للمتعة والتغيير ، ويزداد سرورهم كلما شاهدوا في رحلاتهم مناظر جميلة
وأشكالاً متنوعة ، بل لو كان التبرج أمراً عادياً لما نهى الله عنه ، لأنَّ الله هو الذي خلق
الإنسان ، ويعلم ما يصلحه وما يفسده ، ولولا أنَّ الفساد الحاصل من التبرج كبير لما
نهى الله عنه ، ولما جعله الله تعالى على لسان رسوله ( صلى الله عليه وآله ) من كبائر الذنوب .
إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة مَيل عميق ، وإثارته في كل حين تزيد من عرامته ،
فالنَّظرة تُثير ، والحركة تُثير ، والضحكة تُثير ، والدعابة تُثير ، والطريق المأمون
هو تقليل هذه المثيرات ، وذلك هو المنهج الذي يختاره الإسلام ، مع تهذيب الطبع ،
وتشغيل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة ، غير تلبية دافع اللحم والدم .
الحُجَّة السادسة : من تدَّعي أنَّ الحجاب عادات جاهلية أو رَجعية :
إن الحجاب الذي فرضه الإسلام على المرأة لم يعرفه العرب قبل الإسلام ، بل لقد
ذمَّ الله تعالى تبرج نساء الجاهلية ، فوجَّه نساء المسلمين إلى عدم التبرج مثلهن ،
فقال جلَّ شأنه : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ ) الأحزاب : 33 .
صحيح أنَّ الإسلام أتى فأبطلَ عادات ذميمة للعرب ، ولكن بالإضافة إلى ذلك كانت لهم
عادات حميدة أقرَّها الإسلام ، فلم يبطلها ، كإكرام الضيف ، وغير ذلك ، وكان من ضمن
عاداتهم الذميمة خروج النساء متبرجات كاشفات الوجوه والأعناق ، باديات الزينة ،
ففرضَ اللهُ الحجاب على المرأة بعد الإسلام ، ليرتقي بها ، ويصون كرامتها ، ويمنع
عنها أذى الفُسَّاق والمغرضين ، وإننا ونحن نتحدث عن العرب في جاهليتهم نقول :
إن العصر الحديث شهدَ جاهلية كبرى وانتكاسة عظمى لم تشهدها العصور السابقة ،
ولا حتى العرب في جاهليتهم ، إنَّنا مسلمون نؤمن بديننا ، ونقدِّس تعاليمه ، ونحبُّ ربَّنا ونبينا
أكثر من حبنا لأنفسنا ، ولن نتأثر بدعاوى الجاهلية الحديثة التي هي أشدُّ من جاهلية أبي جهل .
فإذا كان التبرُّج في الجاهلية الأولى يتضمَّن إظهار المرأة لوجهها
وعنقها وحليها فقط ، وتمشي بين الرجال بهذه الهيئة .
فإنه في الجاهلية المعاصرة أصبحنا نرى المرأة لا تكاد تغطي شيئاً من حُرُمات الله ، ونسيت
أنها في حَدِّ ذاتها حرمة من حرمات الله ، وحدٌّ من حدوده ، لا يجوز أن يقربها أحد إلا أن
يكون زوجها ، ولا أن يَرى زينَتَها أحدٌ إلاَّ أن يكون ممن بيَّنَهم الله عزَّ وجلَّ في هذه الآية الكريمة :
( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء
بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ
أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ
الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ
وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور : 31 .
ولستُ أدري كيف تسول لإنسان نفسه أن يتبجَّح على خالقه ، ويرمي ما أمر به من ستر
وصيانة وعفة وطهارة بأنه رجعيَّة ؟! ولماذا هذه الحملة المسعورة على الحجاب الإسلامي
بالذات ، ولا يتكلم أحد عن حدائِقِ العُراة ، وبيوت الدعارة في كثير من ديار المسلمين ؟!
إنَّ الرجعيَّة الحقيقية هي ما عليه هؤلاء التقدُّميِّين من إلحاد وإنكار للبعث والحساب ،
بل لوجود الخالق ، وتأليههم للطبيعة والأفراد ، وكل هذه الأمور ، والأفكار الوثنية كانت قبل الإسلام .
ولما كان كل ما بعد الإسلام هو في نظرهم رجعي ، إذ أنهم يعتبرون أن التمسك بتعاليم الأديان
- ومن أبرزها تعاليم الإسلام - رجعيَّة ، فلنكن رجعيين ، لكنهم أشد مِنَّا تأخراً ورجعيَّة ،
لأن ما هم عليه من رجعية سبقت ما نحن عليه من رجعية ، وأكرم برجعيتنا من رجعية ،
فنحن رجعنا إلى الشرف والعفة والفضيلة ، وهم رجعوا إلى الفساد والطغيان والرذيلة .
|