اعتادت المرأة البغدادية ان تكون جذلى سعيدة
باحياء صوم زكريا،
والاحتفاء بهذه المناسبة الشعبية التي
مازالت تحتل مكانا بارزا في تاريخنا الاجتماعي المعاصر ومن دواعي الاسى
ان تمر بنا كهذه المناسبات الفولكلورية
ونحن عنها غافلون، لا نكاد نشعر بها،
ولا نعرف ما يجب ان نعرفه عن مضمونها العقائدي ومراسيمها الشعبية.
:b0119::b0119::b0119:
وانني اعجب للمرأة البغدادية تحيط، واعية،
بمواقيت الاعياد والايام اللاهية،
ومواسم الزيارات الدينية، ومواعيد الطقوس المأثورة اتكالا على ذاكرتها الناشطة،
وبدون ان ترجع الى تقويم او روزنامة او مفكرة
حتى لا حسب، وانا على حق في حسابي،
ان المرأة البغدادية مخلوق ذكي،
ألمعي، ذو حاسة مدهشة، تلهمه متى يبكي،
ومتى يضحك، ومتى يصوم،
ومتى يتزلف بالنذور، ومتى يؤدي فروض الطاعة لمزارات الائمة والاولياء،
ومتى يتمتع بـ “الكسلات”بين المقابر وفي رحاب الاضرحة المقدسة وتحت اشجار البساتين.
:b0119::b0119::b0119:
ومن هنا كانت سيدة البيت البغدادي تعلم يقينا،
وهي لا تدري لماذا،
بأن يوم الاحد الاول من شهر شعبان
اما هو موعدها مع صوم زكريا،
ولذلك نجد نساءنا وامهاتنا وبناتنا واخواتنا
يتباشرن بهذه المناسبة الخالدة
قبل حلولها بوقت طويل،
ومن افواههن يستسمع باعة الحلوى والجرزات
هذا الســـر الثمين فيعـــدون للبيـــع
في حوانيتهم ودكاكينهم،
قبل الصوم بأسبوعين على الاقل، ما يستطيعون جمعه من زبيب اشقر واسود، وحمص، وجوز، وسنون جوز، ولوز، وحب ركي، وحب شجر،
وتين يابس، وجوز هند، وفستق، وبندق، وحبة خضرة،وحامـــض حلو،وقمر الدين،وجكليت،
وملبّس وحلقوم وجعب الغزال
وقرص اللوزينة واصابع العـــروس وجكارة الملك،وساهون، ومصقول، وجلاتين، وسمسمية، ومن السما، وذرك العصفور.
:b0119::b0119::b0119:
اما الجذر الاجتماعي لهذا العيد،
فيضرب في اعماق التاريخ البعيد..
حيث بلغ زكريا الثانية والتسعين من العمر،
وبلغت زوجته السيدة ايشاع بنت فاقود الثامنة والتسعين (على اشهر الروايات)
وبعد ان ادرك الوهن والضعف والشيب هذا العبد الصالح
نادى ربه نداء خفيا، قال: رب، اجعل لي آية،
فقد كانت امرأته عاقرا، وحن الى من يرثه،
ثم لبى الله تعالى نداءه، وبشره بالولد..
فكانت هذه المعجزة امل الآملات من العواقر
على مر الاجيال والعصور..
ولذلك لم تكن المرأة البغدادية نسيج وحدها
في استغلال هذا العيد الكبير، فالعاقر،
او من لم يرزقها الله غلاما..
تتولى بنفسها اعداد “صينية” عامرة بـ”الشكرات” و”الزردة”
والحليب والكرفس والدولمة والخس والحلاوة
والكراث والسمك والبرتقال والتفاح
والنومي والموز والنعناع والبيض المسلوق
بنقيع قشور البصل الاحمر والكليجة.
وتلألأ هذه الصينية بالشموع الصغار، وشموع الكافور،
واحيانا شمعة العروس الذهبية المزخرفة بالورود.. بعد تثبيت قواعدها على الطين بين اغصان
الياس والبرتقال،وخلال هذ المآكل الشهية
والنيران الموقدة تنتصب الاكواز و”التنك”
والاباريق الفخارية. وقد اعتادت الامهات ان يرصدن الاباريق للذكور والتنك للاناث.
:b0119::b0119::b0119:
اما مراسيم هذا الصوم،
فهي تضارع ما يجري في رمضان من سحور وافطار..
وفي صباح اليوم التالي توزع الاطعمة المنذورة على الجيران. ومن التقاليد الشائعة في هذا الصدد..
ان اعاقر تشتري شمعة وتودعها صينية احد الجيران، وتلتمس من زكريا ان يحقق لها الآمال، فأذا حبلت واملصت..
استقلت باعداد صينية كاملة في بيتها، وان الام التي يقعدها المرض عن الصوم تستطيع ان
تكلف بنت اختها او احدى قريباتها بالصوم نيابة عنها، وان الصائمات يحاولن صومهن صوما “خرسانيا” ينقطعن فيه عن الاكل والكلام،
فلا يتفاهمن مع الآخرين الا بالرمز والاشارة اسوة بمريم عليها السلام التي نذرت للرحمن صوما ولن تكلم انسيا.
ولقد دأبت بعض الصائمات ممن يقرأن القرآن الكريم على قراءة جانب من سورتي مريم وآل عمران بالقرب من الصينية. هذا ما يحضرني بمناسبة هذا المأثور الشعبي، وانني لارجو ان يتهافت المتفكرون على البحث في اصوله ومحتواه ومغزاه في المدن العراقية الاخرى.
:b0119::b0119::b0119:
آلهي وسيدي ومولاي تقبلّ صومنا وأستجب
دعاؤنا وأرزقنا من خزائنك التي لاتنفذ
الذرية الصالحة كما رزقت عبدك ونبيّك
زكريا... بيحيى عليهما السلام
اللهم آمين
rose^rose^rose^