اسلاميات - برامج اسلامية, منوعات, دروس ,محاضرات أخلاق آداب إسلامية, مسابقات اسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-07-2013, 01:55 PM   #41
نهجنا الإسلام
●• فاطمية متميزة •●
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 508
معدل تقييم المستوى: 159
نهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond repute
افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 24


كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يمارس العزل والنصب كذلك، ولم يكن مجتنبا عن أيّة مبادرة سياسية، ولكن لم يتجاوز الضوابط والحدود في جميع حركاته السياسية، وهذا ما كان يثير عجب أصحابه ومقرّبيه. من أبرز مصاديق التزامه بهذه الحدود هو عزل معاوية من ولاية الشام في أوائل أيام خلافته. فقد جاء بعض كبراء المدينة ووجهائها إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وحذّروه عن ذلك. وكان تحليلهم هو أن الرؤية السياسية تقتضي أن لا تحرّك ساكنا في هذه العجالة، فأبقه في منصبه كيما تتّسق عرى حكومتك ويأخذ البيعة لك، ثم اعزله إن بدا لك.[1] ولكن لم يكن عليّ ممن يفدي الحقّ لبعض المصالح.

كما كان معاوية نفسه يعرف منهج علي الولائي. ولهذا عندما جاءه رسول أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الشام، أخّره وأبطأ عليه بالتفاوض حتى يجيّش جيشه لمواجهة أمير المؤمنين (عليه السلام). فكان قد اعترض على أمير المؤمنين (عليه السلام) بعض أصحابه كمالك الأشتر بأنّ رسولك غير كفوء لهذه المسؤولية وقد خدعه معاوية لتجهيز جيشه. وعندما رجع رسول أمير المؤمنين (عليه السلام) عاتبه مالك ما أدّى إلى مغادرته للعراق وترك نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام).[2]

إن حدود استخدام الأساليب السياسية عويصة ومعقدة جدا، فلا يقدر على تشخيصها والالتزام بها كل إنسان. ومن جانب آخر أولئك الذين يعجزون عن فهم هذه الحدود الدقيقة والحسّاسة، يعجزون عن تحليل مواقف الحاكم وسلوكه بطبيعة الحال. فعلى سبيل المثال في أيام انتصار الثورة الإسلامية، مع أن الإمام (ره) كان يعرف حزب «نهضة الحرية» جيدا، بيد أنه نصّب المهندس بازركان لتأسيس الدولة المؤقتة. وبعد سنين من تلك الأيام وفي رسالته المعروفة بشأن عزل المنتظري قال: «والله لم أكن موافقا على رئاسة وزراء بازركان منذ البداية».[3] أو في قضية رئاسة بني صدر بالرغم من أن الإمام (ره) لم يكن موافقا على رئاسته ـ بشهادة نفس هذه الرسالة التي مرّ ذكرها ـ ولكن بعد ما تمّ انتخابه من قبل الناس، بقي مدافعا عنه إلى آخر لحظة، وحتى قد منحه قيادة القوى العسكريّة، ولم ينفك الإمام عن دعمه لبني صدر بالرغم من اعتراض عدد كبير من المؤمنين وأنصار الثورة الحقيقيين. هذه هي تلك الرموز الخفية التي إن كشف الستار عنها تقدر على جذب شعوب العالم إلى مفهوم الولاية.


السبب في استخدام الولاية لأدواة القوة في نطاق ضيّق

1ـ مراعاة كرامة الناس


كما أشير إليه في الأبحاث الماضية، إن أحد أسباب استخدام الولاية لأدواة القوة في نطاق ضيّق، هو مراعاة كرامة الناس واحترام عقلهم وإدراكهم. فإذا أراد الوليّ أن يستغلّ صلاحياته كلّها لتسيير جميع مآربه، فيقتضي ذلك أن يتجاهل إدراك الناس وإحساسهم. فمن هذا المنطلق ومن أجل احترام كرامة الناس، تقوم الولاية برسم حدود لاستخدام أدوات القوة.

لا شكّ في أن هذه الكرامة ستهان حين استخدام القوّة القهرية في نطاق واسع ولا داعي لتبيين هذه الحقيقة. إذ لو اُرغم أحدٌ ما بفرض القوّة على فعل خاص أو تبنّي رأي خاص فقد هتكت كرامته. بيد أن هذه الحقيقة غير واضحة في استخدام باقي أدوات القوة على نطاق واسع غير محدود. ولعلّ كثيرا من الناس لا يدركون إهانة كرامتهم إثر تعاطي هذه الأدوات على نطاق واسع.

إن هذه الظاهرة لواضحة كلّ الوضوح في مجالي القانون والدعايات. ففي كثير من البلدان تمّ تنظيم ظواهر البلد وحياة الناس عن طريق وضع مختلف القوانين، وقد تروق مظاهر البلد المنتظمة لدى بعض الناس. بيد أن أبناء هذا البلد نفسه والمشاهدين الأجانب قد غفلوا عن هذه الحقيقة وهي أن هذا النظم هو نتاج سحق كرامة الناس.

وكذا الأمر بالنسبة إلى الدعايات والإعلام. فعندما تُمسخ رغباتُ الناس ونزعاتهم نتيجة قصف دعايات الإعلام، قد لا يتبادر لأحد في بادئ الأمر أن أهينت كرامته، ولكن في الواقع لا يحقّ لأحد أن يتلاعب برغبات الإنسان دون إذنه. فأولئك الذين يمارسون هذا الفعل عن طريق الأساليب الدعائية في الواقع يتجاهلون كرامة الناس.

إن عقول الناس وإدراكاتهم من أهمّ الأمور المحترمة في مسار إدارة المجتمع على أساس المنهج الولائي. فلن تسحق الولاية كرامة الناس أبدا، حتى وإن كلّف هذا الاحترام وجودها وموقعها في المجتمع. تقتضي الرؤية الولائية أن يعي الناس بأنفسهم كثيرا من القضايا والحقائق ويتخذوا القرار الصائب ويسلكوا الطريق الصحيح باختيارهم. ومن هذا المنطلق لن تستخدم الولاية أدواتها وقواها على سبيل الإطلاق وبلا حدود.

كما مرّ في الأبحاث الماضية، مقتضى حياة الإنسان هو أن تتبلور في الجتمع بعض القوى، ففي سبيل أن لا تأخذ هذه القوى منحى الظلم والطغيان، لابدّ من وجود قوة مركزية لكي تسيطر على جميع هذه القوى المتبلورة في المجتمع. وقلنا في سبيل أن لا تتورط هذه القوة المركزية بالظلم، لابدّ أن تكون معينة من قبل الله. الولاية هي القوة المركزية التي لا أنها لا تظلم الناس فحسب، بل إنها تحترم الناس وتحافظ على كرامتهم بدرجة عالية جدا.

يتبع إن شاء الله...


[1] مروج الذهب، ج2، ص355.

[2] وقعة صفين، ص60.

[3] صحیفه امام، ج21، ص331.

نهجنا الإسلام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-07-2013, 02:24 PM   #42
عشق الكرار
♠ فاطمية مبتدئة ♠
 
الصورة الرمزية عشق الكرار
 
تاريخ التسجيل: Jul 2013
المشاركات: 6
معدل تقييم المستوى: 0
عشق الكرار has a spectacular aura aboutعشق الكرار has a spectacular aura aboutعشق الكرار has a spectacular aura about
افتراضي رد: وقفة عند أسرار الولاية

شكرا أختي نهجنا الأسلام
على المعلومات القيمة
الله يحفظك

عشق الكرار غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-07-2013, 11:09 AM   #43
نهجنا الإسلام
●• فاطمية متميزة •●
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 508
معدل تقييم المستوى: 159
نهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عشق الكرار
شكرا أختي نهجنا الأسلام
على المعلومات القيمة
الله يحفظك




أسعدني مرورك العطر أختي الكريمة
شكرا على تواجدك في صفحتي والمشاركة الطيبة
تحيتي لك

نهجنا الإسلام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-07-2013, 11:31 AM   #44
نهجنا الإسلام
●• فاطمية متميزة •●
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 508
معدل تقييم المستوى: 159
نهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond repute
افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 25

2ـ السعي لهداية الناس

ليس الهدف الرئيس في الحكومة الولائية هو تأمين أولى الاحتياجات البشرية، بل الهدف والغاية من تشكيل الحكومة الولائية هي إيصال الناس إلى الله عز وجل. طبعا لا شك أن تحقيق هذه الغاية القصوى سيوفّر الغايات والأهداف المتوسطة والابتدائية من باب الأولى.
فباعتبار أن الهدف الرئيس للولاية هو إيصال الناس إلى الله، فلهذا لن تسمح لنفسها في هذا المسار أن تستعمل أدوات القوة على نطاق واسع وبلا حدود. لابدّ للناس أن يصلوا إلى الله باختيارهم وبإرادتهم. بعبارة أخرى لن يفرض الوليّ شيئا على الناس في سبيل هدايتهم ولن يستعمل أدواته بشكل غير محدود.
النقطة المهمة التي لابدّ من الالتفات إليها هو أنه أيّة حكومة لا تهدف إلى إيصال الناس إلى الله فهي حكومة ظالمة. أية حكومة وقوّة تتبلور في المجتمع وكان هدفها غير إيصال الناس إلى الله فمآلها الحتمي هو الظلم. بعبارة أخرى لا يمكن أن يترأس حاكم غير إلهيّ على حكومة ثم نتوقّع منه أن يراعي كرامة الناس.
لا سبيل لحياة الإنسان إلى الطمأنينة والاستقرار إلا أن يكون اتجاهها ومنحاها إلى الله. فإن لم يكن اتجاهها إلى الله، لعلها تعيش في فترة أو في مكان ما يسمّى بحالة الراحة والاستقرار، بيد أنها وفي آخر مطافها ستنتهي إلى الظلم. ليس لأحد سوى عبّاد الله أن يوفّر للناس الكرامة والحريّة والرفاه والعدل. ومتى وصل الناس إلى هذه النتيجة عندها ينبغي أن نترقب ظهور المنقذ (عج). إن دأب عبّاد الله الحقيقيين هو أن يهدوا الناس إلى السعادة والهدى باختيارهم وإرادتهم، فلا يدفعون في هذا المسار أحدا رغما على إرادته.
لقد أشارت الزهراء سلام الله عليها إلى هذه الحقيقة عندما زارتها نسوة المدينة. فقالت لهم في مطلع حديثها: «ما الذي نقموا من أبي الحسن». ثم بدأت تبيّن لهم هذا المعنى وهو أنه صحيح أن عليّا قد شدّد على نفسه ولزم الحياة الصعبة في سبيله الذي يمضيه إلى الله، بيد أنه لن يلزمكم ما ألزم به نفسه. إنه سيأخذ بأيديكم إلى شاطئ الهدى ويدلّيكم على عين المعارف الإلهية من دون أن يضيّق عليكم أو ينغّض حياتكم. سوف يعاملكم برفق وتسامح حتى تختاروا درب الهدى باختياركم وإرادتكم؛ «وما نقموا والله منه الا نكير سيفه ونكال وقعته وشدة وطأته وقلة مبالاته بحتفه وتنمره في ذات الله و تالله لو تكافوا عن زمام نبذه إليه رسول الله و مالوا عن المحجّة اللائحة و زالوا عن قبول الحجّة الواضحة لردهم إليها و حملهم عليها و لسار بهم سيرا سجحا لا يكلم خشاشه و لا يكل سائره و لا يمل راكبه و لأوردهم منهلا نميرا صافيا رويّا فضفاضا تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه...».[1]
محصل الكلام: من هذا المنطلق لابدّ للقوة المركزية (الولاية) أن تضيّق نطاق استخدامها لأدوات القوة وذلك لسببين: الأول هو الحفاظ على كرامة الناس وهو أمر مرتبط بالأسلوب والمنهج؛ والثاني هو السعي لهداية الناس، وهو مرتبط بالهدف والغاية. وبالمناسبة، إن الالتزام بهذين المعيارين، له علاقة مباشرة بحبّ الناس ومعنويتهم. فعندما نرى مدى اهتمام الأولياء الربانيين بكرامة الناس، تمتلئ قلوبنا حبّا ومودة لهم، وعندما يلتزم هؤلاء الأولياء بالهدف الرئيس وهو إيصال الناس إلى الله، تتبلور وتزدهر المعنوية في القلوب.
عندما يتشرف الإنسان في حرم الإمام الرضا (عليه السلام) ويزور أهل البيت (عليهم السلام)، تتصف هذه الزيارة والعلاقة بجانبين؛ فإنها علاقة حبّية ومعنوية في وقت واحد. هناك يتصل الإنسان بالله اتصالا معنويا، لماذا؟ لأن أساس الإمامة والولاية هي حركة تسوق الإنسان إلى الله. ومن جانب آخر، يعيش الإنسان في حرم الإمام الرضا (عليه السلام) علاقة الحبّ والمودّة مع الإمام. وسبب هذا الحبّ هو أن الإمام يحترم الإنسان ويهتمّ بكرامته.

استقلال الناس تحت لواء الولاية

كما مرّ سابقا، إن الولاية بمعنى القيمومة على الناس وإدارتهم. وهذا التعريف الصحيح قد وجّه لها تهمة كبيرة على مرّ الزمان وهي أن مقتضى دورها هو سلب استقلال الناس. إن الله قد خلقنا أحرارا مستقلّين، بيد أن الولاية بصدد المسك بزمام أمورنا والقيمومة علينا، ومعنى ذلك هو سلب استقلالنا. فمن جانب يودّ الإنسان أن يتكئ على نفسه ومن جانب آخر تشيرون عليه أن يكون تبعا للولاية متكلا عليها.
بالرغم من أنّ الولاية تقود الناس وترأسهم مع حفظ كرامتهم وهذا ما قد سبب مظلوميتها على مرّ التاريخ، ولكن مع ذلك تتعرض دائما لتهمة أنها تلقي بظلالها على استقلال الناس. فانطلاقا من أهمية هذا الموضوع، حريّ بنا أن نقف عنده في بعض النقاط بشأن علاقة الولاية مع استقلال الناس.

يتبع إن شاء الله...

[1] «مَا الَّذِي نَقَمُوا مِنْ أَبِي الْحَسَنِ...» الاحتجاج علی اهل اللجاج، ج1، ص108
نهجنا الإسلام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-08-2013, 09:46 AM   #45
نهجنا الإسلام
●• فاطمية متميزة •●
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 508
معدل تقييم المستوى: 159
نهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond repute
افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 26

الولاية تؤمّن استقلال الناس؛ لا تراعيها

يسأل البعض هل أنّ الولاية تراعي استقلاليتنا أم لا؟ أو كم هي تحترم حدود استقلالنا؟ فبدلا من الإجابة عن هذا السؤال نقول إن هذا السؤال خاطئ من أصله. إذ إن الولاية هي التي تؤمّن استقلال الناس؛ فلا يأتي الاستقلال من قِبَل مصدر آخر حتى نسأل الولاية هل أنّها تحترم هذا الاستقلال أم لا.
إن حكمة وجود الولاية هي أن تراقب هذا النظام التسخيري المضطرب كيلا يعتدي على الناس أحد. ومن أبرز مصاديق الاعتداء هو سحق استقلالية الناس. فلا تسمح الولاية لأحد أن يستغل مواهبه الإلهية ليسخّر الناس أكثر ممّا أذن الله له؛ أي يتعدى بذلك على استقلاليتهم. فمن هذا المنطلق لابدّ أن نقول أساسا إن الولاية جاءت لتكون ضمانا لاستقلاليّة الناس.
والمعنى الخاطئ الآخر الذي قد يستنبط من مفهوم الولاية هو أنه إذا كان ولي الله مولانا وقيّمنا، فلا داعي بعد لتفكيرنا، إذ إن الولاية سوف تفكّر وتتخذ القرار بدلا عنا، وليس شأننا عندئذ سوى أن نقول سمعا وطاعة وننفّذ ما صدر عن الولي من أوامر. نعم، من يخضع تحت لواء الولاية سوف يتولّاه الولي، ولكن ليس هذا بمعنى سلب مسؤولية التفكّر والتعقل من الناس.
مثله كمثل الأب المتمكّن الثريّ القادر على توفير كل ما يحتاج إليه ابنه، ولكن مع ذلك يرسل ابنه للسوق ويشير عليه بتعلّم مهنة ويقول له: «اذهب واختر عملك ومهنتك بنفسك، وأنا كذلك أدعمك وأحميك». فهذا الأب غير عاجز عن إعطاء رأس مال ضخم لابنه، ولكن يريد لابنه أن يعتمد على نفسه. ولعلّ الولد يخطأ في اختيار العمل، ولكن يراقبه الوالد من بعيد وبعد ما عرف الابن بخطأه قد يأخذ الأب بيده وينجّيه من ورطته. فهنا قد أعطى الوالد لابنه الفرصة للتفكير واتخاذ القرار واختيار العمل بنفسه. وكذلك الأمر في علاقتنا بالولاية فإنها تشبه هذه العلاقة. فمع أن الولاية تدعمنا وتحمينا ولكن ليس معنى هذا الدعم هو سلب استقلالنا والتفكير بدلا عنّا.
على أيّ حال إنّ تهمة «سلب استقلال الناس» الموجّهة للولاية بعيدة كل البعد عن الإنصاف. فهي تشبه في لؤمها ما إذا أخرجت نقودا من جيبك لتنفق بها على سائل فقير، ثم يتهمك الشرطي بأنك قد سرقت هذه النقود من الفقير! كم هي تهمة مؤلمة؟! هذه هي حكاية الولاية مع هذه التهمة. إن دور الولاية هي أن تراقب معادلات المجتمع وتحافظ على استقلال الناس، ثم يتهمها البعض بأنها تهدّد استقلالهم.

الولاية تؤمن ثلاثة أنواع من الاستقلال

إن سبب ظلامة أولياء الله هو اهتمامهم بتأمين استقلال الناس. فلأنهم قد صبّوا معظم اهتمامهم في سبيل الحفاظ على استقلال الناس قد تعرضوا لأشد التهم والافتراءات. فلم يكسبوا بمقاومتهم هذه في سبيل صيانة استقلال الناس إلا التعرّض لأنواع الظلامات. وما أشدّها من ظلامة على شخص صرف كلّ اهتمامه من أجل حفظ استقلال الناس، ثم يُتّهم بعدم مراعاتها. على أي حال إن الولاية تؤمّن ثلاثة أنواع من الاستقلال فنشير إليها تاليا:

1ـ الاستقلال العقلي

أهمّ أبعاد استقلال الإنسان هو استقلاله في الفكر والإدراك والعقل والإحساس. وكما سبق ذكره في الأبحاث السابقة، إن الولاية تؤمن هذا البعد من أبعاد الاستقلال بروعة بالغة. لماذا لم يأتنا الإمام المنتظر (عج) في منامنا ولم يرشدنا عند حيراتنا وترددنا في مفترقات الطرق؟ لماذا لم يرسل الله ملائكته ليرشدونا ويهدونا؟ لأنه لابدّ أن نعيش حالة الاستقلال العقلي. يجب أن نختار ونتخذ القرار بأنفسنا لنرتقي ونتطور ونرشد في سياق هذه القرارات. إن نتيجة هذا الاستقلال لصالحنا حتى وإن عثرنا وسط الطريق، إذ بهذه العثرات نحصل على التجربة والخبرة لتكملة المسير في هذا الدرب.
وليس هذا بمعنى أن الله لا يعين عباده قطّ وقد تركهم سدى فانشغل عنهم بشغل آخر! كلا، فقد جعل الله للناس رسلا ظاهرة وباطنة ليهتدوا بهم، ولكن بعد كل هذا، الشخص الذي يجب أن يتخذ قراره ويختار طريقه في آخر المطاف هو الإنسان نفسه. فعلى سبيل المثال أحد نماذج احترام الله لاستقلال الناس العقلي، هو عدم ذكر اسم أمير المؤمنين (عليه السلام) في القرآن. فإذا أراد الإنسان أن يتلو القرآن بعقله، يجد أن جميع آيات القرآن تشير إلى ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولكنه إذا أراد أن يتلوه بعينه وحسب، لا شكّ في أنه لن يعثر على اسم أمير المؤمنين (عليه السلام) في القرآن. وقد أراد الله منا أن نستخدم عقولنا. فلو كان المفترض هو أن لا تستخدم الناس عقولهم فما الفرق بينهم وبين البهائم؟
لا شكّ في أنّ منهج الولاية في اهتمامها بالاستقلال العقلي للناس مما يزيد من صعوبة التكليف وتعقيده. وذلك لأن الولاية قد لزمت على نفسها أن لا تصرح بكثير من الأوامر، فيتعين على أنفسنا أن ندركها ونعيها وحدنا، كما أنها لا تصارحنا بكثير من التفاصيل والجزئيات فلابدّ لنا أن نتوصل إليها وندركها.
تريد الولاية مطيعا تابعا، ولكن لا تابعا أعمى. فلو كانت الولاية بصدد تربية أتباع عُمْي لكانت قد عالجت جميع المشاكل لحد الآن. إنها ليست بصدد إدارة قطيع غنم، بل تريد أن تتولى مجموعة أناس مثقفين وفاهمين. تريد الولاية مجموعة من الأشخاص الذين يشخّصون تكليفهم من دون أن يوجّه الوليّ لهم أمرا.

يتبع إن شاء الله ...
نهجنا الإسلام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-08-2013, 10:31 AM   #46
نهجنا الإسلام
●• فاطمية متميزة •●
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 508
معدل تقييم المستوى: 159
نهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond repute
افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 27

الاستقلال العاطفي

النوع الثاني من الاستقلال الذي تؤمنّه الولاية هو الاستقلال العاطفي. إذ لن تحاول الولاية قطّ أن تكسب قلوب الناس ومشاعرهم عبر الطرق الغريبة. فكل ما مرّ في موضوع «الدعايات» وضيق نطاق استخدام الولاية لأدوات الدعاية، لابدّ أن يؤخذ هنا بعين الاعتبار أيضا. فلا تجذب الولاية أحدا عن طريق أساليب الأفلام السينمائية الغربية. نعم، بالتأكيد إنّ جذابيّة الولاية وجمالها بمكان من الشدّة بحيث بمجرّد أن تعرّض أحد لإشعاعات وجودها يمتلئ حبا وعشقا لها، بيد أن الولاية نفسها لن تبالغ في جذب الناس إلى نفسها.
وهذه كرامة أخرى من كرامات الولاية. إذ يسعى الحكّام ورجال السياسة في جميع أنحاء العالم أن يستخدموا شتى الأساليب والأدوات في سبيل كسب قلوب الناس وجرّها إليهم، وعادة ما يشرعنون استخدام أساليب التضليل والخداع في هذا المسار. أما الولاية فلا تكتفي بعدم التضليل فحسب، بل حتى تخفي كثيرا من الحقائق التي تؤدي إلى ازدياد حبّ الناس لها. فعلى سبيل المثال كان ينفق أئمتنا الأطهار (عليهم السلام) على الأيتام والفقراء، ولكنّهم كانوا يخفون إنفاقهم في ظلام الليل فلم يطّلع أحد على سيرتهم إلا بعد استشهادهم.
مما لا شك فيه، كل واحد منا إذا شاهد وجه الإمام الحجة المنتظر (عج) سيتضاعف عشقه إليه آلاف الأضعاف، ولكن لن يحدث هذا الأمر ببساطة. فإذا أردنا أن نزداد عشقا وحبّا لإمام الزمان (عج) وأهل البيت، ليس لنا بدّ سوى أن نتردد بقلوبنا على بيوتهم ومشاهدهم حتى تتبلور هذه العلاقة ومن ثم تشتدّ وتستفحل. أما الإمام نفسه فلا يقدم على أمر خارق في سبيل إسعار نار الحبّ في القلوب. فليس القرار أن تتمّ تربيتنا كما تربّى الدلافين. نعم، يمكن تربية الدلفين وتدريبه على أداء كثير من الأعمال عن طريق قانون الثواب والعقاب المباشر. فلو كان الأمر كذلك أن بمجرد أن قمنا بعمل صالح تنفتح علينا آفاق من الألطاف الرحمانية أو يتجلّى في قلوبنا نور إمام العصر (عج)، فما الفرق حينئذ بيننا وبين الدلفين؟
يجب أن يعي الناس مفهوم الولاية بأنفسهم، ويعشقونها لما يدركونه من معنى الولاية، لا أن ينجذبوا إليها لما تحظى به من جذابيات ظاهرية. لقد كانت الثقافة السائدة بين أبناء الحجاز في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) هو سيادة الشيخ الكبير على المجتمع، إذ كان الناس يحترمون الشيخ احتراما بالغا. وفي تلك الظروف والأجواء الثقافية رفع النبي (صلى الله عليه وآله) يد علي (عليه السلام) ونادى: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه». ومن المعلوم أن الخضوع لولاية رجل شاب في المجتمع الذي تسود فيه ثقافة الشيخوخة ليس بهيّن. وهذا هو أحد مصاديق مراعاة استقلال الناس العاطفي. إن منهج عمل الولاية هو أن لو اهتدى أحد بهداها وفاز بالجنان، ترفع رأسها بين يدي الله وتقول: إنه قد اهتدى إلى الجنة وأصاب الاختيار بنفسه، فلم اضطره إلى الطاعة بسلب استقلاله.
لم تكن الولاية بغنى عن استقلال الناس العاطفي، وهناك أمثلة كثيرة في هذا المجال. فعلى سبيل المثال بعد مضيّ خمس سنين من حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) باتت تأخذ ولايته موقعها واعتبارها الاجتماعيّ بين الناس. فرفع الله عليّا (عليه السلام) في تلك الظروف وأخذه إليه وأصبح الناس أمام امتحان جديد وهو طاعة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، مع أنه لم يكن يحظى بنفس موقع أمير المؤمنين (عليه السلام) الاجتماعي. ولكن ليس القرار هو أن يخضع الناس للولاية لما تحظاه من موقع اجتماعي. لقد تعرض الناس حينها لامتحان صعب شديد وقد أتتكم أنباؤهم.
فاقضوا أنتم واحكموا؛ هل قد خطر هذا القدر من احترام الناس إلى قلب أحد من مفكري الغرب؟ هل تراعي واحدة من البلدان الغربية حرية شعبها واستقلاله إلى هذه الدرجة؟ هذه هي الجوانب الدولية من بحث الولاية التي إذا عرضت على الناس وأدركوها سوف يعشق ويتلهف الجميع لهذا المفهوم النيّر.

3ـ الاستقلال العملي

النوع الآخر من الاستقلال الذي تؤمّنه الولاية هو الاستقلال العملي. الاستقلال العملي بمعنى أن لا يخضع أحد لسلطة ما بسبب فقره وفاقته. من أهداف الولاية هو أن لا يخضع أحد لسلطة غيره من الناس ما يؤدي إلى سلب استقلاله بسبب عدم تأمين احتياجاته الأولى. فلعل بعض الناس قد خرجوا بهذه النتيجة عقلا وهي أن لا ينبغي الخضوع لسلطة أحد، كما لا يحملون أية علاقة قلبية تجاه صاحب تلك السلطة التي خضعوا لها، بيد أنهم في مقام العمل خضعوا لسلطته بعد ما وجدوه قادرا على سدّ بعض احتياجاتهم.
وهذا يمثل جانبا آخرا من روعة الولاية. تسعى الولاية لإثراء الناس واكتفائهم الذاتي. إنها تسدّ حوائج الإنسان الأوليّة، لئلا يخضع أحد لسلطة غيره بغية تأمين احتياجاته. فإنها حتى وإن سدّت حاجة الإنسان لا تمنّ عليه وتقول له: «أنا الذي سددت حاجتك فاخضع لولايتي عليك.» كلا، إنها تقول: «لقد سددت حاجاتك في سبيل أن تحصل على الاستقلال العملي وتختار ولاية من شئت. فاذهب وتأمّل واختر من شئت وليا عليك».
وهذا هو سبب توصيات سماحة السيّد الوليّ المؤكدة على المسؤولين بالمحرومين والمستضعفين. إن ما يصبو إليه سماحة السيد هو أن لا يفقد أحد دينه بسبب فقره. لماذا كان يسعى أمير المؤمنين (عليه السلام) لاستئصال الحرمان؟ لماذا لايزال يعطي الإمام الرضا (عليه السلام) حوائجنا؟ لماذا لايزال أئمتنا (عليه السلام) يقضون حوائجنا المادّية والجسديّة؟ لأنهم يرون من تكليفهم هو أن يمنحونا الاستقلال العملي. وأهمية الاستقلال العملي هي أنه يزيل أرضية الخضوع والركون للظلم.
ولهذا السبب سوف تظهر بركات السماء والأرض في زمن ظهور الإمام الحجة (عج).[1] وفي الحقيقة سوف تنهض السماء والأرض لنصرة الإمام المنتظر (عج). لأنه بصدد إقامة حكومة عالمية يتبعه فيها جميع أهل العالم. فمن أجل تحقيق هذا الأمر لابدّ أن يكون الناس في فسحة ورفاه مادّي، كي لا يضطروا إلى الخضوع لسلطة أحد سواه في سبيل سد احتياجاتهم.
حصيلة الكلام: على رغم تهمة «عدم مراعاة استقلال الناس» التي كانت ولا تزال تستهدف الولاية، إن الولاية هي التي تؤمّن ثلاثة أنواع من الاستقلال؛ الاستقلال العقلي والاستقلال العاطفي والاستقلال العملي. وإنّ تأمين هذه الأنواع الثلاث من الاستقلال بحاجة إلى قوّة مطلقة. فمن هذا المنطلق قد منح الله هذه القوّة المطلقة المركزية للولاية ليتسنّى لها التفوّق على جميع القوى الأخرى في مسار توفير الاستقلال للناس.

يتبع إن شاء الله ...

[1]. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): «يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي وَ يَعْمَلُ بِسُنَّتِي وَ يُنْزِلُ اللَّهُ لَهُ الْبَرَكَةَ مِنَ السَّمَاءِ وَ تُخْرِجُ لَهُ الْأَرْضُ بَرَكَتَهَا وَ تَمْلَأُ بِهِ الْأَرْضُ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً» [کشف الغمة، ج2، ص472].


نهجنا الإسلام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-08-2013, 10:44 AM   #47
نهجنا الإسلام
●• فاطمية متميزة •●
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 508
معدل تقييم المستوى: 159
نهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond repute
افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 28

تحقق «الحريّة» الحقيقيّة في ظلّ الولاية

إن جسّدنا معنى الولاية الحقيقي لأهل العالم، سوف يرحّب بها الناس بكل سهولة. إنهم يعيشون اليوم حالة الجهل المطلق تجاه أسرار الولاية. فلا يستطيع أكثر أهل العالم أن يتصوروا تلك الكرامة التي يحظون بها في ظلّ الحكومة الولائية. إذا استلمت الولاية زمام الأمور، سوف تبالغ في مراعاة كرامة الناس ما قد يتمّ ذلك على حساب مصلحتها ومنصبها. فحتى لو أدت مراعاة كرامة الناس إلى مظلوميتها تبقى على منهجها هذا ولن تعدل عن مراعاة كرامة الناس.
لقد أصبح الحديث عن «حقوق الإنسان» اليوم متداولا بين قدم وساق. وبهذا الخطاب نفسه يمكن جذب قلوب أهل العالم إلى الولاية. بإمكاننا أن نوطّئ للمهديّ سلطانَه عبر موضوع «حقوق الإنسان» نفسه. فلابدّ من إيصال هذه الحقيقة إلى الناس وهي أنّ حقوق الإنسان أوسع نطاقا مما يتصوّرون. لابدّ أن يقال لهم إذا أرادت الحكومة أن تراعي حقوق الإنسان، يجب عليها أن تحترم كرامتكم وحريّتكم أكثر من أيّ شيء آخر.
لقد أصبح شعار «الحريّة» من أهمّ ما يدّعيه الحكّام والرؤساء اليوم. وخلافا لما تدّعيه أكثر البلدان الغربية المتمظهرة بالحضارة والحداثة، تُسحَق حريّة الناس في الغرب أكثر من أي مكان آخر في العالم وتذهب حرية الشعوب ضحيةً لمطامع أصحاب رؤوس الأموال ورجال السياسة.
لا تقوى أيّة حكومة في العالم على مراعاة حريّة الناس بدرجة ما تراعيها وتحافظ عليها الحكومة الولائية. فخلافا للدعايات والطبول التي قرعها الغربيون ضدّ الولاية بأنها تسلب استقلال الناس وتضيّق نطاق حريّتهم، إن الحكومات الغربية هي التي استعبدت واسترقّت الناس بسلب استقلالهم، بيد أنها تدسّ في نفوس شعوبها الشعور بالحرية والاستقلال عبر عمالقة الإعلام وقصف الدعايات.
فإن توقّف الإعلام عن نشاطه في بلاد الغرب حتى لفترة قليلة، أو التزم أمراؤهم بشعار تعدد الأصوات واقعا وسمحوا بسماع باقي الأصوات كما ينادون به في إعلامهم، حينها يتضّح أن هل ستبقى حكوماتهم على حالها أم لا؟ فعلى رغم الشعارات التي يهتفون بها في الغرب، تكوّن هناك أكبر مجتمع أحاديّ الصوت، فلا تسمح مافيا الإعلام لأي أحد له رأيٌ مخالف أن يتنفس. ومن أبرز نماذج هذه الحقيقة هو قانون منع التحقيق وإبداء الرأي بشأن واقعة «هولوکوست».[1]
طبعا إنهم ومن أجل التعتيم على هذه الحقيقة قد اتخذوا أسلوبا خاصا. إنهم قد سلّطوا الأضواء بدعاياتهم وبرامجهم على مواطن الفسحة وما يسمّى بالحرية كالحريّة الجنسية، الأمر الذي يلقي الشعورَ بالحرية في نفوس الشعوب، وبذلك وضعوا حاجزا يمنع الناس عن الالتفات إلى مواطن فقدان الحريّة. هذا بالإضافة إلى أن أبناء الغرب يفتقدون الحرية حتى في مثل هذه النماذج من الحرية الظاهرية. فهل ترون أن أبناء الغرب يعيشون الحريّة المطلقة بالنسبة إلى القضايا الجنسية؟
هل تتصورون أن الشعوب الغربيّة أحرار في المسائل الجنسية؟ هل تعتقدون أن الشعوب الأوروبية والأمريكية قد أقبلوا على هذا الفساد الجنسي عن حرية واختيار؟ فواقع الأمر هو أن مراكز القوّة والثروة في الغرب سلبوا حرية الشعب الغربي في هذا المجال فدفعوه واضطرّوه إلى الإباحية الجنسية عبر الدعايات والحرب النفسية الواسعة. فقبل ما تهيمن الصهاينة عبر وسائلهم الإعلامية على المجتمعات المسيحية، كانت النساء المسيحيات محجبات بحجاب كامل كما كان للعفاف والحياء شأن وموقع خاص لدى جميع الناس.
فإن خليّ المجتمعات الغربية ومشيأتهم هل سيتجهون صوب الفساد؟ ليس كذلك واقعا. إذ تُدَس الحوافز والدوافع للفساد حتّى في أوّليّات وضروريّات قضاياهم وشؤونهم. فإن كان المجتمع حرّا في واقع أمره فلماذا كلّ هذا الجهد الجهيد في سبيل الهيمنة الإعلامية على الرأي العام؟ إن كان حرّا في الواقع، فليسمحوا للناس أن يختاروا بأنفسهم. إنهم يعلمون أن الإنسان بطبيعة حاله يكره الخلاعة والفساد، وعليه فلو خفّفوا قليلا من زخم دعاياتهم، يبتعد الناس عن الفساد، فإن ابتعدوا عنه تظهر فيهم بوادر الصحوة، والصحوة تقتضي مطالبتهم للاستقلال الروحي والنفسي. وإذا بلغ الناس هذه المرحلة لا يبقى عندئذ لأصحاب رؤوس الأموال من الصهاينة الذين سيطروا بمخالبهم الاخطبوطية على جميع البلدان الغربية بل جميع العالم، أي بدّ سوى النزول من أريكة القدرة.

يتبع إن شاء الله...

[1]. «هولوكوست» هي كلمة يونانية بمعنى الحرق الكامل للشيء حتى لا يبقى من أثر. وتصطلح اليوم هذه العبارة لوصف حدث تاريخي مختلق وهو حرق ستة ملايين يهودي في المحرقة على يد هيتلر في أيام الحرب العالمية الثانية. في أوائل الثمانينات من القرن العشرين أعدّ بعض أعضاء الوكالة الصهيونية الدولية مسوّدة لقانون وبعد ذلك أقرّ في يوليو 1990 في فرانسة، وبموجبه أصبح «أي تشكيك في قضية «هولوکوست» من التشکیک في أصل إبادة اليهود في الحرب العالمية الثانية، أو في وجود غرف الغاز أو حتى أقل تشكيك في كميّة ضحايا اليهود البالغ ست ملايين قتيل، فهو جرم، وكلّ من خالف هذا القانون وشكّك في أحد هذه المواضيع الثلاثة يحكم عليه بالسجن شهرا إلى سنة ودفع غرامة تتراوح بين ألفين فرانك إلى 300 ألف فرانك». بعد ذلك تمّ التصويب على هذا القانون بضغط من أمريكا وإنكلترا وفرانسا والوكالة الصهيونية. حيث أصبح التشكيك في قضية هولوكوست بشتى أنواعه وتجاه أي بعد وأجزاء هذا الحدث التاريخي المزعوم، جرما في أوروبا، حتى وإن كان التشكيك نتاج دراسة موثقة مستدلّة.

نهجنا الإسلام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-08-2013, 12:20 PM   #48
حجابي زينبي*حوراء*
مشرفة سابقة * ألهي أنت أملي في هذه الدنيا *
 
الصورة الرمزية حجابي زينبي*حوراء*
 
تاريخ التسجيل: Jul 2013
الدولة: في مسيـرة العشق الألهـي
العمر: 32
المشاركات: 0
معدل تقييم المستوى: 0
حجابي زينبي*حوراء* has a reputation beyond reputeحجابي زينبي*حوراء* has a reputation beyond reputeحجابي زينبي*حوراء* has a reputation beyond reputeحجابي زينبي*حوراء* has a reputation beyond reputeحجابي زينبي*حوراء* has a reputation beyond reputeحجابي زينبي*حوراء* has a reputation beyond reputeحجابي زينبي*حوراء* has a reputation beyond reputeحجابي زينبي*حوراء* has a reputation beyond reputeحجابي زينبي*حوراء* has a reputation beyond reputeحجابي زينبي*حوراء* has a reputation beyond reputeحجابي زينبي*حوراء* has a reputation beyond repute
افتراضي رد: وقفة عند أسرار الولاية



موووووووفقــــــة
__________________




هي صديقتي ، حبيبتي ، روحي
ذاك الشيء الذى ينبض يساري =$
حَتّى لَو إختلفنآ ، تشاجرنآ ، إختلفت آرأنا ..
تبقى هي مختلفه عن بقيه البشر ..
آحببتهآ وَ أدمنت وجودهآ بجانبي !...
ربي
لآ ترني فيهآ [ بأسآ يبكيني ]
ولآ تذقني مرآره فراقهآ



شكـرااا أحـلا قمـر
حجابي زينبي*حوراء* غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-08-2013, 03:15 PM   #49
نهجنا الإسلام
●• فاطمية متميزة •●
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 508
معدل تقييم المستوى: 159
نهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond repute
افتراضي رد: وقفة عند أسرار الولاية

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حجابي زينبي*حوراء*


موووووووفقــــــة

شکرا جزيلا لك أختي الفاضلة حياك الله

نهجنا الإسلام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-08-2013, 03:18 PM   #50
نهجنا الإسلام
●• فاطمية متميزة •●
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 508
معدل تقييم المستوى: 159
نهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond reputeنهجنا الإسلام has a reputation beyond repute
افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 29

من قال أنّ في الغرب حرية؟ إن الشعوب الغربية تتعرض لأنواع الضغوط. إنهم يُدفَعون و يساقَون رغما على إرادتهم إلى كثير من الأعمال والنزعات وحتى الأفكار والقناعات، حتى وإن كانوا على غير علم بهذا الإجبار. كيف تُمنَع الفتيات المحجبات في فرنسا من لبس الحجاب وستر شعرهن، مع أن الدستور الفرنسي يحكم بحرية الناس في اختيار زيّهم؟ فأية حريّة هذه؟ تعيش الشعوب الغربيّة تحت قصف الدعايات والضغط النفسي ولكن يلقون إليهم بأنهم أحرار. الولاية هي المصدر الوحيد الذي يمنح الاستقلال والحرية النفسية للناس. فإن اتجه الناس في الحكومة الولائية إلى الله، قد اتجهوا بأنفسهم، أما في الحكومات الغربية إذا اتجه الناس صوب الخلاعة، لم يتجهوا وحدهم بل دُفِعوا إلى هناك.
الولاية هي القوّة الوحيدة التي لا تفرض قوّتها على هوية الناس واستقلالهم وأفكارهم بشكل مطلق ولا تفرض عليهم شيئا. الفرق بين الولاية وباقي الحكومات هي أن الولاية ليست ممن يفرض رأيه بالقوّة، بينما باقي الحكومات فيفرضون آراءهم بشكل أو بآخر، فبعضهم يفرضون رأيهم بالعنجهية والقوة القهرية، وبعض عن طريق وضع القوانين المتشددة، وبعض آخرون عن طريق أساليب الدعاية والحرب النفسية. فمتى ما أدركت الشعوب هذه الحقيقة وهي أن يفرض عليها كل شيء من الرؤى والرغبات والأفكار وأسلوب الحياة وأرادت أن تتحرّر من هذه الهيمنة، عندها تحدث المعركة الأخيرة، وهي الحرب بين يدي إمام العصر(عج).
أكثر دور الولاية هو السيطرة على القوى لا العقول والأفكار والمشاعر. فكما مرّ ذكره سابقا بما أن في خضمّ النظام التسخيري تتبلور قوى مختلفة، تأتي الولاية كقوة مركزية كي تسيطر على هذه القوى ولا تسمح بظهور التعاملات الظالمة في داخل هذا النظام التسخيري. ليس دور الولاية هو مراقبة الناس، بل الناس أحرار، وحريتهم أكثر بكثير مما يصوّر في الغرب. كما أن في القرآن الكريم لم يكن الله عدوا للمذنبين، بل هو عدوّ للظالمين الذين يسوقون الناس إلى الفساد والذنوب.
التلقي الخاطئ الذي يحمله كثير من الناس تجاه الولاية اليوم هو أنهم يتوقعون منها أن تمارس الأعمال الخدمية، في حين أن هذه الأعمال ليست في نطاق وظائفها. ما أريد من الولاية هو أن تكون على رأس هرم القوى كقوة مركزية لتمنع من قصد الاعتداء على الآخرين في المجال السياسي أو غيره. أما الخدمات الأخرى فهذه مسؤوليتنا وشأننا في المجتمع. الخدمة التي تقدمها الولاية لنا إنما هي المحافظة على الحرية في أجواء المجتمع.

الفصل الرابع: مظلومية الولاية

عندما يجري الحديث عن الولاية، ينتقل الذهن مباشرة إلى أبرز مصاديق الولاية وهم النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار(عليهم السلام). ومن جانب إن حياتهم قد ملئت بالظلامات التي تجرعوها في مختلف مراحل حياتهم. من هذا المنطلق لعلّ أحد المفاهيم التي لا تنفكّ عن مفهوم الولاية في ذهن الإنسان هو مفهوم «المظلومية». نحن في هذا الفصل نصوّر بادئ ذي بدء كيفية ظلامة الولاية مع كونها في موقع القوة المركزية، بعد ذلك ننتقل إلى دور خواص المجتمع في تحمل هذه الظلامة، وفي النهاية سوف نقف عند أسباب مظلومية الولاية إن شاء الله.

مظلومية الولاية في موقع القوة المركزية

عندما تقع القدرة المركزيّة بيد أولياء الله، تراعى كرامة الناس في مقام فرض القوة بأروع صورها كما تؤخذ هداية الناس بعين الاعتبار في مقام تحديد الغاية من القوة؛ الأمر الذي يتسبب بطبيعة الحال إلى مظلومية الحكومة الولائية وغربتها. وهذه تمثل إحدى أروع صور الولاية. إن كون الإنسان قادرا على دفع المظلومية عنه ولكنه لا يستخدم قوته مراعاة لكرامة الناس فيستقبل الظلامات بإرادته، فهذه من أروع صور الولاية التي يعجز الكثير من الناس حتى عن تصورها.
لو كان أهل المدينة يعرفون أن عليّا(عليه السلام) هو الرجل الوحيد الذي يستطيع أن يأخذ بأيديهم ويوصلهم إلى الغاية، للتفّوا حوله ولاستلمها أبو الحسن(عليه السلام)، ولكن عندما جهلوا هذه الحقيقة وأعرضوا عنه لم يستخدم العنف في سبيل هدايتهم.
وفي زمن النبي(صلى الله عليه وآله) أيضا كانت أمثال هذه المظلوميات. قد يتصور البعض أنه بما أن النبي(صلى الله عليه وآله) قد نجح في مشروع تشكيل الحكومة واستلم القوة المركزية في إدارة المجتمع الإسلامي كما أنه نشر الإسلام إلى خارج نطاق جزيرة العرب ودعا حكام إيران والروم ومصر إلى الإسلام، إذن لم يتعرّض لأية مظلوميّة. في حين أن تشكيلة الحكومة الولائية تقتضي أن لا تنفك عنها المظلومية. يعني إذا أراد ولي المجتمع الديني أن يلتزم بقواعد وأصول الحكومة الولائية فلابد له من أن يُظلَم. إذ إن أساس الحكومة الولائية هو كرامة الناس ولم يبلغ الناس إلى هذه البصيرة إلا في زمن حكومة الإمام المهدي(عج) العالمية حيث إنهم سوف لا يسببون مظلومية وليهم حتى وإن بالغ في مراعاة كرامتهم.

يتبع إن شاء الله...
نهجنا الإسلام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الفاطميات الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 (0 فاطمية و 1 زائرة )
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وقفة مع القلم العالمه الغير معلمه أهل البيت (عليهم السلام) سيرة اهل البيت - مكتبة اهل البيت - موسوعة شاملة عن أهل البيت (ع) 6 22-08-2011 04:14 PM
وقفة مع الذات صفية المختار الحوار العام - نقاشات وحوارات تهم المرأة و المجتمع 9 22-01-2011 10:04 AM


الساعة الآن 10:07 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir