من فيوضات فاطمة الزهراء ( عليها السلام )
لم تكتفِ الزهراء فاطمة ( عليها السلام ) بما هيّأ لها بيت الوحي من معارف
وعلوم ، ولم تقتصر على الاستنارة العلمية التي كانت تُهَيِّئُّها لها شموس
العلم والمعرفة المحيطة بها من كلِّ جانب .
فقد كانت تحاول في لقاءاتها مع أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ،
وبَعْلها ( عليه السلام ) باب مدينة علم النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن
تكتسبَ من العلوم ما استطاعت .
وإنَّ هذا الجهد المتواصل لها في طلب العلم ونشره ، قد جعلها من كُبرَيات رواة الحديث ، ومن حَمَلَة السُنَّة المطهرة .
حتى أصبحَ كتابها الكبير الذي كانت تعتزُّ به أشدَّ الاعتزاز يُعرف باسم (
مصحَفْ فاطمة ) ، وانتقل إلى أبنائها الأئمة المعصومين ( عليهم السلام )
يتوارثونه كابراً عن كابر .
ويكفيك دليلاً على ذلك وعلى سُمُوِّهَا فكراً ، وكمالها علماً ، ما جادت
به قريحتها من خطبتين ألقتهما ( عليها السلام ) بعد وفاة رسول الله ( صلى
الله عليه وآله ) ، إحداهما بحضور كبار الصحابة في مسجد الرسول ( صلى الله
عليه وآله ) ، والأخرى في بيتها على نساء المهاجرين والأنصار .
وقد تَضَمَّنَتَا صُوَراً رائعةً من عُمقِ فكرها وأصالته ، واتِّسَاع
ثقافتها ، وقُوَّة منطقها ، وصِدق نبوءاتها ، فيما ستنتهي إليه الأمَّة
بعد انحراف القيادة .
هذا فضلاً عن رِفعة أدبها ، وعظيم جهادها في ذات الله ، وفي سبيل الحقِّ تعالى .
لقد كانت الزهراء ( عليها السلام ) من أهل بيت اتَّقُوا الله ، وعلَّمَهم
الله - كما صَرَّح بذلك الذكر الحكيم - ، وهكذا فطمها الله بالعلم
فَسُمِّيَت بـ( فَاطِمَة ) ، وانقطعت عن النظِير فَسمِّيت بـ( البَتُول ) .
وإليك أيها القارئ الكريم بعضاً من أقوالها وأحاديثها وأدعيتها المباركة ( عليها السلام ) :
الأول :
قالت ( عليها السلام ) : ( واحمُدُوا الذي لعظمته ونوره يبتغي مَن في
السماوات والأرض إليه الوسيلة ، ونحن وسيلتُهُ في خَلْقه ، ونحن خاصَّته ،
ومحلُّ قُدسِه ، ونحن حُجَّتُه في غيبه ، ونحن ورثة أنبيائه ) .
الثاني :
رغَّبَت ( عليها السلام ) في حُسن النيَّة ، فقالت :
( مَن أصعد إلى الله خالصَ عبادته ، أهبط اللهُ إليه أفضلَ مصلحته ) .
الثالث :
أجابت ( عليها السلام ) امرأةً جاءتها بسؤال زَوجِها في هل أنَّه مِن شيعتهم ، أم لا ؟
فقالت ( عليها السلام ) لها : ( قُولِي لَه : إِنْ كنتَ تعملُ بما
أمَرْناك ، وتنتهي عمَّا زجرناك عنه ، فأنتَ مِن شيعتنا ، وإلاَّ فلا ) .
الرابع :
في مكارم الأخلاق قالت ( عليها السلام ) :
( البِشْر في وَجه المؤمن يُوجِب لِصَاحِبِه الجنَّة ) .
الخامس :
نَبَّهت ( عليها السلام ) إلى المقام الأسمى فقالت : ( أبَوا هذه الأُمَّة
مُحَمَّدٌ وعَليٌّ ، يُقيمانِ أودَهم ، ويُنقذانِهم مِن العذاب الدائم إن
أطاعوهما ، ويُبيحانِهمُ النعيمَ الدائمَ إن وافقوهما ) .
السادس :
روت ( عليها السلام ) عن أبيها المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) ، قالت :
( إنَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يعوِّذُ الحسن والحسين ،
ويُعلِّمُهما هؤلاءِ الكلمات ، كما يعلِّمهما السورة من القرآن ، يقول :
أعوذُ بكلماتِ اللهِ التامَّة ، مِن شرِّ كلِّ شيطانٍ وهامَّة ، ومِن كلِّ عينٍ لامَّة ) .
السابع :
تساءلت ( عليها السلام ) مُتعجِّبة : ( ما يصنعُ الصائم بصيامٍ إذا لم يَصُنْ لسانَهُ ، وسمعَهُ ، وبَصَرَهُ ، وجَوَارِحَهُ ؟! ) .
الثامن :
كان من أدعيتها ( عليها السلام ) : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، يا حيُّ يا
قَيُّوم ، برحمتِك أستغيثُ فأغِثْني ، ولا تَكِلْني إلى نفسي طَرْفةَ عينٍ
أبداً ، وأصلِحْ لي شأني كلَّه .
اللَّهُمَّ قَنِّعْني بما رزقتَني ، واسترني وعافني أبداً ما أبقيتني ، واغفر لي وارحمني .
اللَّهُمَّ لا تُعْيِني في طلبِ ما لا تُقدِّرُ لي ، وما قدَّرتَه عليّ فاجعلْه مُيَسَّراً سهلاً .
اللَّهُمَّ كافِ عَنِّي والدَيَّ ، وكلَّ مَن له نعمةٌ علَيَّ خيرَ مكافأة .
اللَّهُمَّ فرِّغْني لِما خلقتَني له ، ولا تشغلني بما تكفّلتَ لي به ، ولا تُعذِّبْني وأنا أستغفرك ، ولا تَحرِْمني وأنا أسألك .
اللَّهُمَّ ذَلِّلْ نفسي في نفسي ، وعظِّمْ شأنك في نفسي ، وألهِمْني
طاعتَك ، والعملَ بما يرضيك ، والتجنُّب لما يُسخطك ، يا أرحم الراحمين ) .
التاسع :
قالت ( عليها السلام ) في خطبتها بياناً للتوحيد : ( وأشهد أن لا إله إلا
الله ، وحده لا شريك له ، كلمةً جعل الإخلاصَ تأويلَها ، وضمَّن القلوب
موصولها ، وأنار في التفكير معقولها ، الممتنع من الأبصار رؤيتُه ، ومِن
الألسن صفتُه ، ومن الأوهام كيفيَّته .
ابتدع الأشياء لا مِن شيء كان قبلها ، وأنشأها بلا احتذاءِ أمثلةٍ امتثلها
، كَوَّنها بقدرته ، وذرأها بمشيَّته ، مِن غير حاجةٍ منه إلى تكوينها ،
ولا فائدةٍ له في تصويرها ، إلاَّ تثبيتاً لِحِكمته ، وتنبيهاً على طاعته
، وإظهاراً لقدرته ، وتَعَبُّداً لبريَّته ، وإعزازاً لدعوته .
ثمَّ جعل الثواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، ذيادةً لعباده من نقمته ، وحياشةً لهم إلى جنَّتِه ) .
العاشر :
قالت ( عليها السلام ) في بعثة أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
( ابتعثه اللهُ إتماماً لأمره ، وعزيمةً على إمضاء حُكْمه ، وإنقاذاً
لمقادير حتمه ، فرأى الأمم فِرَقاً في أديانها ، عُكَّفاً على نيرانها ،
عابدةً لأوثانها ، مُنكِرةً لله مع عرفانها ، فأنار الله بأبي مُحمَّدٍ (
صلى الله عليه وآله ) ظُلَمَها ، وكشف عن القلوب بهمَها ، وَجَلَى عن
الأبصار غممَها .
وقام في الناس بالهداية ، فأنقذهم من الغواية ، وبَصَّرَهم من العماية ، وهداهم إلى الدين القويم ، ودعاهم إلى الصراط المستقيم ) .
الحادي عشر :
وكان من بيانها ( عليها السلام ) لِعِلَلِ الشرائع والأحكام أن قالت : (
فجعَلَ اللهُ الإيمانَ تطهيراً لكم من الشِّرك ، والصلاةَ تنزيهاً لكم عن
الكِبْر ، والزكاةَ تزكيةً للنفس ، ونماءً في الرزق ، والصيامَ تثبيتاً
للإخلاص ، والحَجَّ تشييداً للدِّين ، والعدلَ تنسيقاً للقلوب ، وطاعتَنا
نظاماً للمِلَّة ، وإمامتَنا أماناً مِن الفُرقة ، والجهادَ عِزّاً
للإسلام ، والصبرَ معونةً على استيجاب الأجر ، والأمرَ بالمعروفِ مصلحةً
للعامَّة ، وبِرَّ الوالدينِ وقايةً من السَّخَط ، وصلةَ الأرحام مَنْماةً
للعَدَد ، والقِصاصَ حِصناً للدماء ، والوفاءَ بالنَّذْر تعريضاً للمغفرة
، وتوفيةَ المكاييلِ والموازينِ تغييراً للبَخْس ، والنهيَ عن شرب الخمر
تنزيهاً عن الرِّجس ، واجتنابَ القَذْف حجاباً عن اللَّعنة ، وترك السرقة
إيجاباً للعِفَّة )
|