الطفلة «مريم» استوطنت قلوب أهالي صدد لترحل باكراً عنهم دون وداع
صدد – محمد الجدحفصي
في ليلة ظلماء ذهبنا لقرية «صدد» التي لا طالما أثارت التساؤلات لدينا وللكثيرين غيرنا عن سبب الهدوء الكبير فيها، لنفاجأ حينها أنها تحولت بين ليلة وضحاها إلى أشبه بخلية نحل قبل أن يتراءى لنا قدوم موكب تشييع مهيب رفع فيه المشاركون نعشاً صغيراً محاطاً بالمودة والسكينة بعضها مخفي والآخر مرئي بالضياء والنور حول ذلك النعش، بين ذلك الأمر وهذا حضور كثيف لصغار السن فيه ويتناغم فيه صراخ وعويل النسوة اللاتي اجتمعن بين الأزقة ليعلو صراخهن بين الحين والآخر؛ ليطرح السؤال نفسه عندها: نعش من؟ تشييع منا؟ ليأتينا جواب كهل كبير أنهكته الحياة وبدت عليه مظاهر الحزن طاغية: «رحلتِ باكراً يا مريم عنا من دون وداع، فرحمك الله يوم ولدتِ ويوم متِ ويوم تبعثي من جديد».
ويضيف الكهل «رحلت مريم أمان، هكذا تلقينا نحن أهالي قرية صدد خبر وفاتها عصر يوم الخميس حينما كانت برفقة شقيقها عندما تعرضوا لحادث مرور مروع بمدخل دار كليب ما أدى لإصابة مريم بإصابات بليغة توفيت على إثرها بالمستشفى العسكري».
لم تتجاوز مريم الـ 13 عاماً لكنها تسلحت بابتسامة لا تفارق محياها أبداً لذا كانت محبوبة ومعروفة عند جميع أهالي قرية صدد ولهذا ما إن سقط الخبر علينا حتى تعالت صرخات النسوة بالقرية والجميع تهافت وتسابق لمنزل أبيها لعل وعسى أن يكون خبر وفاتها غير صحيح إلا أن الخبر كان غير ذلك، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
تمضي الدقائق ببطء شديد على الجميع فهي الملاك، فقد ملأت صدد بصداح رقتها لتؤكد أن محبة الجميع لها ضريبتها هي رجوع الأمانة لصاحب الأمانات الذي لا يبقى إلا وجهه سبحانه وتعالى، ويبقى في ذلك بسمتها، ضحكتها، حضورها، خالداً بقلوب محبيها.
لم يكن من السهل علينا لقاء أي فرد من عائلتها إلا أنهم وما إن عرفوا أنها «الوسط « حتى اقترب إلينا شقيقها رائد بخطى ثابتة قائلاً: «هي الصغرى بيننا، هي التي اعتدنا على تلبية طلباتها دوماً، ولهذا لم يرفض شقيقي الذهاب معها لشراء القرطاسية من دار كليب، قبل أن نفجع برحيلها دمن ون كلمة وداع». يمسح دموعه قليلاً ليعود مرة أخرى ويقول: «هي اجتماعية كما هو حال والدتها، لذا فإن كبير القرية يعرفها قبل صغيرها، هي المدللة بيننا فهي الأخيرة بين أربعة أولاد لذا يعز علينا فقدها ورحيلها من دون سابق إنذار».
هو يوم ليس كباقي الأيام لأهالي قرية صدد لذا سيبقى رحيل «مريم « قابعاً في نفوس الكثيرين وليؤكد أن الملاك يبقى ملاكاً ولو بعد حين.